الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
لما كان أمر القتيل يئول إلى القسامة فيما إذا لم يعلم قاتله ذكر هاهنا في باب على حدة في آخر الديات. والكلام في القسامة من وجوه الأول في معناها لغة والثاني في معناها شرعا والثالث في ركنها والرابع في شرطها والخامس في صفتها والسادس في دليلها اعلم أن القسامة في اللغة اسم وضع موضع الأقسام كذا في عامة الشروح أخذا من المغرب وقال في معراج الدراية القسامة لغة: مصدر أقسم كما لا يخفى على من له دراية بعلم الأدب وأما في علم الشريعة فهي أيمان يقسم بها أهل محلة أو دار أو غير ذلك وجد فيها قتيل به أثر يقول كل منهم والله ما قتلته ولا علمت له قاتلا كذا في العناية قال في النهاية وأما تفسيرها شرعا فما روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال في القتيل الذي يوجد في المحلة أو دار رجل في المصر إن كان جراحة أو أثر ضرب أو أثر خنق ولا يعلم قاتله يقسم خمسون رجلا من أهل المحلة كل منهم يقول بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا. ا هـ. أقول: ما ذكر في النهاية إنما هو مسألة القسامة شرعا فإن التفسير من قبيل التصورات وما ذكر فيها تصديق من قبيل الشرطيات كما ترى نعم يمكن أن يؤخذ منه تفسير القسامة شرعا بتدقيق النظر لكنه في موضع بيان معنى القسامة شرعا في أول الباب تعسف خارج عن سنن الطريق وأما ركنها فهو أنه يجري من أن يقسم هذه الكلمات التي يقسم بها على لسانه ثم قال في النهاية. وأما شرطها فهو أن يكون المقسم رجلا بالغا عاقلا حرا فلذلك لم يدخل في القسامة المرأة والصبي والمجنون والعبد وأن يكون في الميت الموجود أثر القتل وأما لو وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية ومن شرطها أيضا تكميل اليمين بالخمسين. ا هـ. وفي غاية البيان أيضا كذلك ومن شروطها أيضا أن لا يعلم قاتله فإن علم فلا قسامة فيه ولكن يجب القصاص فيه أو الدية كما تقدم ومنها أن يكون القتيل من بني آدم فلا قسامة في بهيمة وجدت في محلة قوم ومنها الدعوى من أولياء القتيل لأن القسامة يمين واليمين لا تجب بدون الدعوى كما في سائر الدعاوى ومنها إنكار المدعى عليه لأن اليمين وظيفة المنكر ومنها المطالبة في القسامة لأن اليمين حق المدعي وحق الإنسان يوفى عند طلبه كما في سائر الأموال ومنها أن يكون الموضع الذي وجد فيه القتيل ملكا لأحد أو في يد أحد فإن لم يكن ملكا لأحد ولا في يد أحد أصلا فلا قسامة فيه ولا دية في قن أو مدبر أو أم ولد أو مكاتب أو مأذون وجد مقتولا في دار مولاه نص في البدائع على هاتيك الشروط كلها بالوجه الذي ذكرناه مع زيادة تفصيل وأورد على اشتراط الحرية. إذا وجد قتيل في دار مكاتب فعليه القسامة وإذا حلف يجب الأقل من قيمته ومن الدية نص عليه في البدائع وأجيب بأن المكاتب حر يدا وإن لم يكن حرا رقبة كما صرحوا به في الباب السابق فوجد فيه الحرية في الجملة فجاز اشتراطنا الحرية في القسامة مطلقا بناء على ذلك لكن لا يخفى ما فيه وأما صفتها فهي وجوب الأيمان وأما دليلها فالأحاديث المشهورة وإجماع الأمة وأما سببها فوجود القتيل في المحلة وما في معناه. قال رحمه الله: (قتيل وجد في محلة لم يدر قاتله حلف خمسون رجلا منهم يتخيرهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا) هذا على سبيل الحكاية عن الجميع وأما عند الحلف فيحلف كل واحد منهم بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا لجواز أنه قتله وحده فيجري على يمينه ما قلنا يعني جميعا ولا يعكس لأنه إذا قتله مع غيره كان قاتلا له وقال الشافعي رحمه الله إذا كان هناك لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا ويقضى لهم بالدية على المدعى عليه عمدا كانت الدعوى أو خطأ وقال مالك رحمه الله يقضى بالقود إذا كانت الدعوى في القتل العمد وهو أحد قولي الشافعي واللوث عندهما أن يكون هناك علامة القتل على واحد بعينه أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو يشهد عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه وإن لم يكن ثم لوث استحلف المدعى عليهم. فإن حلفوا لا دية عليهم وإن أبوا أن يحلفوا حلف المدعي واستحق ما ادعاه لنا قوله صلى الله عليه وسلم لو أعطي الناس بدعواهم الحديث وقوله: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ولا فرق في ذلك بين الدم والأموال على ظاهر الأحاديث وما روي في قتيل وجد بين قوم قال يستحلف خمسين رجلا منهم فهو كقول المؤلف قتيل خرج مخرج الغالب قال في العناية جرح رجل في قبيلة ولم يعلم جارحه فإما أن يصير صاحب فراش أو يكون صحيحا بحيث يذهب ويجيء فإن كان الثاني فلا ضمان بالاتفاق وإن كان الأول ففيه القسامة والدية على القبيلة عند الإمام وعند الثاني لا شيء فيه. ا هـ. وأطلق في القتيل فشمل الخطأ والعمد والدعوى بذلك قال في الأصل وإذا وجد قتيل في محلة قوم وادعى ولي القتيل القتل عمدا أو خطأ فهذا على ثلاثة أوجه إما أن يدعي ولي القتيل على واحد من أهل المحلة أنه هو الذي قتله وليه فإن ادعى على جميع أهل المحلة أنهم قتلوا وليه عمدا أو خطأ وادعى على واحد من غير أهل المحلة أنه هو الذي قتله وليه عمدا أو خطأ وأنكر أهل المحلة فإنه يحلف خمسون رجلا منهم كل واحد بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا فإن حلفوا غرموا الدية وإن نكلوا فإنه يحبسهم حتى يحلفهم وفي الذخيرة هذا الحبس بدعوى العمد وإن كان يدعي الخطأ فإذا نكلوا عن اليمين يقضى عليهم بالدية ا هـ. وقوله يتخيرهم الولي يعني يختار الصالحين دون الطالحين ولو من أهل الذمة. وإن كان القتيل مدبرا أو مكاتبا وجبت القسامة وقيمته في ثلاث سنين لأن العبد بمنزلة الأحرار في حق الدماء وروي عن أبي يوسف أنه لا شيء فيه لأنه في حكم الأموال عنده ولا قسامة في الجنين لأنه ناقص الخلقة ا هـ. قال رحمه الله: (وإن حلفوا فعلى أهل المحلة الدية ولا يحلف الولي) وقال الشافعي رحمه الله يحلف وقد تقدم ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم يحلف خمسون رجلا منكم بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ثم أغرموا الدية فقال الحالف يا رسول الله يحلف ويغرم فقال نعم الحديث هذا إذا ادعى عليهم لا بأعيانهم القتل عمدا أو خطأ لأن المدعى عليهم لا يميزون عن الباقين ولو ادعى على البعض بأعيانهم القتل عمدا أو خطأ فكذلك الجواب وإطلاق الكتاب يدل على ذلك وعن أبي يوسف في غير رواية الأصول أن القسامة والدية تسقط عن الباقين من أهل المحلة ويقال للولي ألك بينة فإن قال لا يستحلف المدعى عليه يمينا واحدة وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة مثله ووجهه أن القياس يأباه لاحتمال وجود القتل من غيرهم وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة والنصوص لم تفرق بين دعوى ودعوى فيجاب بإطلاق النصوص لا بالقياس بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم لأنه ليس فيه نص فلو أوجبناهما لأوجبناهما بالقياس وهو ممتنع ثم إن حلف برئ وإن نكل ففي دعوى المال يثبت وفي دعوى القصاص فهو على الاختلاف الذي ذكرناه في كتاب الدعوى. قال رحمه الله: (وإن لم يتم العدد كرر الحلف عليهم ليتم خمسين يمينا) لأن الخمسين وجبت بالنص فيجب تمامه ما أمكن ولا يشترط فيه الوقوف على الفائدة فيما يثبت بالنص وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى بالدية وروي عن شريح والنخعي مثل ذلك ولأن فيه استعظاما لأمر الدم فيتكمل وتكرار اليمين من واحد على سبيل الوجوب ممكن شرعا كما في كلمات اللعان وإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم فليس له ذلك لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال وقد كمل. قال رحمه الله: (ولا قسامة على صبي ومجنون وامرأة وعبد) لأنهم ليسوا من أهل النصرة وإنما هم أتباع والنصرة لا تقوم بالاتباع واليمين على أهل النصرة ولأن الصبي والمجنون ليسا من أهل القول الصحيح واليمين قول قوله وامرأة وعبد لأنهما ليسا من أهل النصرة واليمين على أهلها أقول: يشكل إطلاق هذا بقول أبي حنيفة ومحمد في مسألة وهي أنه لو وجد قتيل في قرية لامرأة فعند أبي حنيفة ومحمد عليها القسامة تكرر عليها الأيمان والدية على عاقلتها وأما عند أبي يوسف القسامة أيضا على العاقلة. قال رحمه الله: (ولا قسامة ولا دية في ميت لا أثر به أو يسيل دم من فمه أو أنفه أو دبره بخلاف عينه وأذنه) لأن القسامة تجب في القتيل. وهذا ليس بقتيل وإنما مات حتف أنفه وفي مثله لا قسامة ولا غرامة لأن الغرامة تتبع فعل العبد، والقسامة لاحتمال القتل منهم فلا بد من أثر يكون بالميت يستدل به على أنه قتيل بخلاف ما إذا خرج دمه من عينه وأذنه لأنه لا يخرج عادة إلا من كثرة الضرب فيكون قتيلا ظاهرا فتجري عليه أحكامه وهو المراد بقوله بخلاف عينه وأذنه ولو وجد بدن القتيل كله أو أكثر من نصفه أو النصف ومعه الرأس في محلة فعلى أهلها القسامة والدية وإن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من النصف وكان معه الرأس أو لم يكن فلا شيء عليهم لأن هذا حكم عرف بالنص وقد ورد به في البدن ولكن للأكثر حكم الكل فأجرينا عليه أحكامه تعظيما للآدمي والأقل ليس معناه فلا يلحق به وإلا لو اعتبرناه لاجتمعت الديات والقسامات بمقابلة شخص واحد بأن توجد أطرافه في القرى مفرقة وهو غير مشروع وينبني على هذا صلاة الجنازة لأنها لا تتكرر كالقسامة والدية قال الشارح ولو وجد فيهم جنين أو سقط ليس به أثر الضرب لا شيء على أهل المحلة لأنه لا يفوق الكبير حالا وإن كان به أثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا إلى آخره أقول: في تحرير هذه المسألة فتور من وجوه: الأول أن الجنين على ما صرحوا به في عامة كتب اللغة الولد ما دام في البطن فكيف يتصور أنه يوجد فيهم جنين وحده وهو في بطن أمه وأما وجوده مع أمه بمعزل عما نحن فيه لكون الحكم هناك للأم دون الجنين. والثاني أن ذكر الجنين يغني عن ذكر السقط لأن السقط على ما صرح به في كتب اللغة الولد الذي يسقط قبل تمامه والجنين يعم تام الخلق وغير تامه والثالث أن قوله ليس به أثر الضرب غير كاف في جواب المسألة إذ لا بد فيه من أن يكون به أثر الجراحة والخنق كما تقرر فيما سبق فالاقتصار هنا على نفي أثر الضرب تقصير والأظهر أن يقال ولو وجد فيهم ولد صغير ساقط ليس فيه أثر القتل فلا شيء عليهم فتدبر قوله وإن كان به أثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا فإن قيل الظاهر يصلح للدفع دون الاستحقاق ولهذا قلنا في عين الصبي ولسانه وذكره إذا لم يعلم صحته حكومة عدل عندنا وإن كان الظاهر سلامتها أجيب بأنه إنما لم يجب في الأطراف قبل أن يعلم صحتها ما يجب في السليمة لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال وليس تعظيم كتعظيم النفس فلم يجب فيها قبل العلم بالصحة قصاص أو دية بخلاف الجنين فإنه نفس من وجه عضو من وجه فإذا انفصل تام الخلق وبه أثر الضرب وجب فيه القسامة والدية تعظيما للنفوس لأن الظاهر أنه قتيل لوجود دلالة القتل وهو الأثر إذ الظاهر من حال تام الخلق أن ينفصل حيا وأما إذا وجد ميتا ولا أثر به لا يجب فيه شيء فكذا هذا قال جمهور الشراح. ورد صاحب العناية جوابهم المزبور حيث قال بعد ذكر السؤال والجواب وهذا كما ترى مع تطويله لم يرد السؤال وربما قواه لأن الظاهر إذا لم يكن حجة للاستحقاق في الأموال وما سلك به مسلكها فلأن يكون فيما هو أعظم خطرا أولى انتهى ولأن الجنين نفس فاعتبرنا جهة النفس إن انفصل حيا فيستدل عليه بتمام الخلق وعضو من وجه فاعتبرنا جهة العضو إن انفصل ميتا فيستدل عليه بنقصان الخلق. قال رحمه الله: (قتيل على دابة ومعها سائق أو قائد أو راكب فديته على عاقلته) دون أهل المحلة لأنه في يده فصار كما إذا كان في داره وإن اجتمع فيها السائق والقائد والراكب كانت الدية عليهم جميعا لأن القتيل في أيديهم دون أهل المحلة فصار كما إذا وجد في دارهم ولا يشترط أن يكونوا مالكين للدابة بخلاف الدار والفرق أن تدبير الدابة إليهم وإن لم يكونوا مالكين لها وتدبير الدار إلى مالكها وإن لم يكن ساكنا فيها وقيل القسامة والدية على مالك الدابة فعلى هذا أن لا فرق بينها وبين الدار وعن أبي يوسف أنه لا يجب على السائق إلا إذا كان يسوقها مختفيا لأن الإنسان قد ينقل قريبه الميت من مكان إلى مكان للدفن وأما إذا كان على وجه الخفية فالظاهر أنه هو الذي قتله وإن لم يكن مع الدابة أحد فالدية والقسامة على أهل المحلة الذين وجد فيهم القتيل على الدابة لأن وجوده وحده على الدابة كوجوده في الموضع الذي فيه الدابة. وفي شرح الطحاوي أو كان الرجل يحمله على ظهره فهو كالذي مع الدابة وظاهر عبارة المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون المالك معروفا أو لا وفي شرح الطحاوي فالقسامة والدية عليهم هكذا ذكر محمد ولم يفصل بين ما إذا كان للدابة مالك وبين ما إذا لم يكن بل أطلق الجواب ومن مشايخنا من قال هذا إذا لم يكن للدابة مالك معروف وإنما يعرف ذلك القائد والسائق فأما إذا كان مالك الدابة معروفا فإنما تجب القسامة والدية على مالك الدابة نظير هذا ما قال محمد في كتاب العتاق أن الرجل إذا استولد جارية في يده ثم أقر إنها لفلان إن كان المقر له مالكا معروفا لهذه الجارية صدق المستولد ولم تصر أم ولده وإن لم يكن المقر له مالكا معروفا لم يصدق لأنها صارت أم ولد له من حيث الظاهر فكذلك هنا ومن المشايخ من قال سواء كان للدابة مالك معروف أو لم يكن فإن القسامة تجب على الذي في يده الدابة والدية على عاقلته ولو وقعت المنازعة بين أهل المحلة وبين السائق كان القول قول السائق أن الدابة دابته. قال رحمه الله: (مرت دابة عليها قتيل بين قريتين فعلى أقربهما) لما روي أنه صلى الله عليه وسلم: «أمر في قتيل وجد بين قريتين بأن يذرع فوجد أحدهما أقرب بشبر فقضى عليهم بالقسامة» قيل هذا محمول على ما إذا كانوا بحيث يسمع منهم الصوت وأما إذا كانوا بحيث لا يسمع منهم الصوت فلا شيء عليهم لأنهم إذا كانوا بحيث لا يسمع منهم الصوت لا يمكنهم الغوث وهذا قول الكرخي رحمه الله تعالى وعبارة الماتن ظاهرها الإطلاق وأما إذا وجد في فلاة في أرض فإن كانت ملكا لإنسان فهما على المالك وإن لم تكن ملكا لأحد فإن كانت يسمع منها الصوت من مصر من الأمصار فعليهم القسامة وإن كان لا يسمع فإن كان للمسلمين فيها منفعة للاحتطاب والكلأ فالدية في بيت المال وإن انقطعت عنها منفعة المسلمين فدمه هدر فظهر أن قوله على أقربها إذا لم تكن الأرض ملكا لأحدكما قال إذا كان يسمع منها الصوت من المصر وهو أحد القولين في القريتين إذا وجد قتيل بينهما وقوله بين قريتين مثال وكذا لو وجد بين قبيلتين أو بين محلتين قال في المحيط أما إذا وجد في فلاة مباح فإن وجد في خيمة أو فسطاط فالقسامة على مالكها والدية على من يسكنها لأنها في يده كما في الدار وإن كان خارجا عنها فعلى القبيلة التي وجد فيها القتيل لأنهم لما نزلوا قبائل في أماكن مختلفة صارت الأمكنة بمنزلة المحال المختلفة في المقر ألا ترى أنه ليس لغيرهم إزعاجهم عن هذا المكان. ولو وجد بين القبيلتين فعلى أقربهما فإن استويا فعليهما كما لو وجد بين المحلتين وبين القريتين هذا إذا نزلوا بين قبائل متفرقين فإن نزلوا جملة مختلطين ووجد القتيل خارج الخيام فعلى أهل العسكر كلهم لأنهم لما نزلوا جملة صارت الأمكنة كلها بمنزلة محلة واحدة لأن الأمكنة كلها منسوبة إلى جميع العسكر لا إلى البعض وإن كان العسكر في أرض رجل فالقسامة والدية عليه لأن العسكر في هذا المكان بمنزلة السكان والقسامة والدية على الملاك دون السكان بالإجماع وهما سويا بين هذه وبين الدار وأبو يوسف رحمه الله تعالى فرق فإن عنده في الدار تجب على السكان دون الملاك والفرق أن العسكر نزلوا في هذا المكان للانتقال والارتحال لا للقرار وما لا قرار له وجوده وعدمه بمنزلة فأما السكان في الدار للقرار لا للانتقال والفرار فلا بد من اعتباره وإن كان أهل العسكر قد لقوا عدوهم فلا قسامة ولا دية لأن الظاهر أنه قتل العدو ولو جرح في محلة أو قبيلة فحمل مجروحا ومات في محلة أخرى من تلك الجراحة فالقسامة والدية على أهل المحلة التي جرح فيها لأن القتل حقيقة وجد في المحلة الأولى دون الأخرى رجل جرح وحمله إنسان من أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لم يضمن الحامل عند أبي يوسف. وفي قياس أبي حنيفة يضمن وهذا بناء على ما إذا جرح في قبيلة ثم مات في أهل قبيلة أخرى لأن يده بمنزلة المحلة فصار وجوده مجروحا في يده كوجوده في محلته. قال رحمه الله: (وإن وجد في دار إنسان فعليه القسامة والدية على عاقلته) لأن الدار في يده وتصرفه ولا يدخل السكان في القسامة مع المالك عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف هي عليهم جميعا لأن ولاية التدبير تكون بالسكنى كما تكون بالملك ولنا أن الملاك هم المختصون بنصرة المنفعة عادة دون السكان ولأن تمليك الملاك ألزم وقرارهم أدوم وكانت ولاية التدبير إليهم فتحقق التقصير منهم وفي الأصل وإذا وجد القتيل في الدار تجب القسامة على صاحب الدار والدية على عاقلة الدار يعني أهل الخطة وفي الذخيرة باتفاق الروايات وكذا ذكر محمد في هذه المسألة في الأصل وذكر في موضع آخر من الأصل أن القسامة والدية على قوم صاحب الدار فاتفقت الروايات أن الدية على قومه واختلفت الروايات في القسامة ذكر في بعض الروايات إنما تكون على المشتري خاصة وذكر في بعض الروايات أنها تكون على عاقلة المشتري وحكي عن الكرخي أنه وفق بين الروايتين قال إنها تجب عليه خاصة إذا كان قومه غيبا ومعنى الرواية التي قال إنها تكون عليه وعلى قومه أن يكون قومه حضورا حتى لو لم يوجد منهم في المحلة ثم وجد قتيل في سكة من سككهم أي في مسجد من مساجدهم وفيها سكان ومشترون فإن القسامة على المشتري وهذا الذي ذكر قول أبي حنيفة ومحمد. فأما في قول أبي يوسف في إحدى الروايتين عنه تجب القسامة والدية على السكان لا على المشترين الذين هم ملاك وفي الرواية الثانية يقول تجب على المشتري والسكان وفي الذخيرة وجد قتيل في دار فقال صاحب الدار أنا قتلته لأنه أراد أخذ مالي وعلى المقتول سيما السراق وهو مبهم فعن أبي حنيفة أنه لا شيء على صاحب الدار وفي موضع آخر قال إن عليه الدية لا القصاص وإن لم يقر صاحب الدار بقتله ولا نقتله وتقسم الدية على العاقلة وفي الينابيع رجل وجد قتيلا فادعى ولي الجناية على رجل أنه قتله وكان بينه وبين المقتول عداوة ظاهرة فإن أنكر المدعى عليه فقال الولي احلف أنك قتلته وآخذ منك الجناية أي الدية فإنه ليس للقاضي أن يفعل ذلك عندنا وقوله دار إنسان مثال وكذا لو وجد في حانوت، والكرم والأرض في الحكم كما ذكرنا في الدار، وفي المحيط وإذا وجد قتيل في محلة خربة ليس فيها أحد وبقربها محلة عامرة فيها أناس كثيرة تجب القسامة والدية على أهل المحلة العامرة لأنها أقرب الأماكن إليها ولو وجد في دار من لا تقبل شهادته له أو امرأة في دار زوجها تجب فيها القسامة والدية ولا يحرم الإرث لأنه حكم بأنه قتله حكما بترك الحفظ ولو وجد القتيل في دار امرأة كرر عليها اليمين خمسين مرة. والدية على عاقلتها وهو قول محمد وعند أبي يوسف على أقرب القبائل قال في المحيط رجلان كانا في بيت ليس معهما ثالث فوجد أحدهما مذبوحا قال أبو يوسف يضمن الآخر الدية لأن الظاهر أنه لا يقتل نفسه وإنما قتله الآخر وقال محمد لا حكم لأنه يحتمل أن الآخر قتل نفسه وأن الآخر قتله فلا أضمنه بالشك ولو أن دارا مغلقة ليس فيها أحد ووجد فيها قتيل فالقسامة والدية على عاقلة رب الدار. قال رحمه الله: (وهي على أهل الخطة دون السكان والمشترين) هذا قول الإمام ومحمد وأهل الخطة هم الذين خط لهم الإمام الأرض بخطه وقال أبو يوسف الكل مشترك لأن الضمان إنما يجب بترك الحفظ ممن له ولاية الحفظ وهم في ذلك سواء فكذا في ترك الحفظ فصار كالدار المشتركة بين واحد من أهل الخطة وبين المشتري ولو كان للخطة تأثير في التقديم لما شاركهم المشتري ولهما أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة في العرف وكذا في الحفظ ولأن صاحب الخطة أصيل والمشتري دخيل وولاية الحفظ على الأصيل دون الدخيل وفي الدار المشتركة ولاية تدبيرها إلى المالك مطلقا بخلاف القرية والمحلة والدار فإنه إذا وجد قتيل في دار مشتركة بين مشتر وصاحب خطة فإنهما يستويان في القسامة والدية بالإجماع وفي المحلة أوجب القسامة والدية على أهل الخطة دون المشترين مع أن كل واحد منهم لو انفرد كانت القسامة عليه والدية على عاقلته. والفرق أن العرف جار بأن تدبير المحلة لأهلها دون المشتري منه وتدبير الدار للمشتري ولو قال وهما على أهل الخطة لكان أولى لأن الضمير يرجع لأقرب مذكور وهو الدية وقدمنا أنه لا فرق بينهما في الحكم متأخر قال رحمه الله: (فإن لم يبق واحد منهم فعلى المشترين) يعني إن لم يبق واحد من أهل الخطة فعلى المشترين لأن الولاية انتقلت إليهم لزوال من يزاحمهم ثم إذا وجد في دار إنسان تدخل العاقلة في القسامة إن كانوا حاضرين عندهما وعند أبي يوسف لا تدخل لأن رب الدار أخص به من غيره فلا يشاركه غيره فيها كأهل المحلة لا يشاركهم فيها عواقلهم فصاروا كما إذا كانوا غائبين ولهما أنهم في الحضور لزمتهم نصرة البقعة كما يلزم صاحب الدار فيشاركونه في القسامة وقد بينا أن هذا قول الكرخي. قال رحمه الله: (ولو وجد في دار مشتركة على التفاوت فهي على عدد الرءوس) أي إذا وجد القتيل في دار مشتركة بين جماعة أنصباؤهم فيها متفاضلة بأن كانت بين ثلاثة مثلا لأحدهم النصف وللآخر الثلث وللثالث السدس تقسم الدية والقسامة على عدد رءوسهم ولا يعتبر بتفاوت الأنصباء لأن صاحب القليل يزاحم صاحب الكثير في التدبير فكانوا سواء في الحفظ والتقصير فيكون على عدد الرءوس بمنزلة الشفعة وفي الجامع الصغير دار نصفها لرجل وعشرها لآخر ولآخر ما بقي فوجد فيها قتيل فهي على عدد رءوس الرجال دون تفاوت الملك حتى أن القتيل إذا وجد في دار بين اثنين أثلاثا فالدية تجب بينهما نصفين وكذا دار بين بكر وزيد أثلاثا فوجد فيها قتيل فالدية على عاقلتهم أثلاثا. وهذا الذي ذكرنا قول محمد رواه عن أبي حنيفة وروي عن أبي يوسف بخلاف هذا فإنه قال على عدد الملك ولو وجد قتيل بين قريتين فالدية على أهل القريتين على السواء ولا ينظر إلى عدد أهل القريتين وكذلك قال أبو يوسف في دار بين تميمي وبين أربعة من همدان وجد فيها قتيل فالدية بينهما نصفين وعند محمد تجب الدية أخماسا وإذا وجد قتيل بين قريتين وهو في القرب إليهما على السواء ووجد في إحدى القريتين أناس كثيرة وفي الأخرى أقل من ذلك فالدية على القريتين نصفين بلا خلاف وقال أبو يوسف في قتيل وجد بين ثلاث دور دار لتميمي وداران لهمدان وهو في القرب منهما جميعا على السواء فالدية نصفان واعتبر القبيلة دون القرب وإذا وجد القتيل في دار بين ثلاثة نفر فالقسامة على عواقلهم جميعا أثلاثا وتمام الخمسين على العواقل وكذا لو وجد في المسجد أو المحلة فالمعتبر عدد القبائل والقبائل هنا ثلاث فالدية أثلاث ولهذا قلنا بأن أهل الديوان إذا جمعهم ديوان واحد وقاتل واحد منهم كان على أهل ديوانه لا على أهله وعشيرته. قال رحمه الله: (وإن بيع فلم يقبض فهي على عاقلة البائع وفي الخيار على ذي اليد) أي إذا بيعت الدار ولم يقبضها المشتري ووجد فيها قتيل فضمانه على عاقلة البائع وإن كان في البيع خيار لأحدهما فهو على عاقلة الذي في يده. وهذا عند أبي حنيفة وقالا إذا لم يكن فيه خيار فهو على عاقلة المشتري وإن كان فيه خيار فهو على عاقلة الذي يصير له لأنه إنما نزل قاتلا باعتبار التقصير في الحفظ فلا يجب إلا على من له ولاية الحفظ والولاية تستفاد بالملك ولهذا لو كانت الدار وديعة تجب الدية على صاحب الدار دون المودع والملك للمشتري قبل القبض في البيع البات وفي الذي شرط فيه الخيار يعتبر قرار الملك كما في صدقة الفطر ولأبي حنيفة أن القدرة على الحفظ باليد دون الملك ألا ترى أنه يقدر على الحفظ باليد دون الملك ولا يقدر بالملك بدون اليد في الدار المغصوبة وفي البيع البات اليد للبائع قبل القبض وكذا فيما فيه الخيار لأحدهما لأنه دون البات ولو كان المبيع في يد المشتري والخيار له فهو أخص الناس به تصرفا وإذا كان الخيار للبائع فهو في يده مضمون عليه بالقيمة كالمغصوب فيعتبر يده إذ بها يقدر على الحفظ بخلاف صدقة الفطر فإنها تجب على المالك لا على الضامن وهذه ضمان جناية فتجب على الضامن لأن ضمان الجناية لا يشترط فيه الملك ألا ترى أن الغاصب يجب عليه ضمان جناية العبد المغصوب ولا ملك بخلاف ما إذا كانت الدار في يده وديعة لأن هذا الضمان ضمان ترك الحفظ وهو إنما يجب على من كان قادرا على الحفظ وهو من له يد أصالة لا يد نيابة ويد المودع يد نيابة. وكذا المستعير والمرتهن وكذا الغاصب لأن يده يد أمانة لأن العقار لا يضمن بالغصب عندنا ذكره في البداية والنهاية لا يدل على أن الضمان على الغاصب فإن قلت: لو جنى العبد في البيع البات قبل القبض يخير المشتري بين الرد وإمضائه وهنا لا يخير والفرق أن الدار لا يستحقها بوجود القتيل فيها بخلاف العبد لأنه يصير مستحقا بالجناية وفي مختصر خواهر زاده وإن وجد في دار يتامى المسلمين فالقسامة والدية على عاقلة اليتامى والأصل أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يعتبر لوجود الدية على العاقلة اليد الحقيقية لأنها تثبت القدرة على الحفظ وهما يعتبران الملك. قال رحمه الله: (ولا تعقل عاقلة حتى تشهد الشهود أنها لذي اليد) أي إذا كانت دار في يد رجل فوجد فيها قتيل لا تعقله عاقلته حتى تشهد الشهود أنها لصاحب اليد لأن ملك صاحب اليد لا بد منه حتى تعقل عاقلته عنه واليد وإن كانت تدل على الملك ولكنها محتملة فلا تكفي إلا بإيجاب الضمان على العاقلة كما لا يخفى للاستحقاق وتصلح للدفع وقد عرف في موضعه قال صاحب العناية ولا يختلج في وهمك صورة تناقض بعدم الاكتفاء باليد مع ما تقدم أن الاعتبار عند أبي حنيفة رضي الله عنه لليد لأن اليد المعتبرة عنده هي التي تكون بالأصالة لكن كيف يتم على أصله التعليل الذي ذكره المصنف بقوله لأنه لا بد من الملك لصاحب اليد حتى تعقل العواقل عنه. وهل لا يناقض هذا ما مر من أن الاعتبار عند أبي حنيفة لليد دون الملك كما في المسألة المتقدمة آنفا فإن الملك هناك للمشتري مع أن الدية عنده على عاقلة البائع لكونه صاحب اليد قبل القبض كما مر تفصيله قال صاحب العناية ولا يلزم أبا حنيفة أن يعتبر اليد في استحقاق الدية كما قال في الدار المبيعة في يد البائع يوجد فيها قتيل لأن الدية تجب على عاقلة البائع لأنه يعتبر يد المالك لا مجرد اليد فلم تثبت هنا يد المالك إلا بالبينة ا هـ. وذكر في معراج الدراية ما يوافقه حيث قال وفي جامع كربيسي اعتبر أبو حنيفة رضي الله عنه مجرد اليد في المسألة المتقدمة وهناك لا يثبت ذلك إلا بالبينة فلا يرد نقضا عليه. ا هـ. أقول: هذا التوجيه مشكل لأن الملك في المسألة المتقدمة كان للمشتري لا محالة وعن هذا نشأ النزاع بين أبي حنيفة رحمه الله وصاحبيه في تلك المسألة إذ لو كان الملك أيضا للبائع لما صار محل الخلاف وإقامة الحجة من الجانبين على ما مر بيانه فإذا كان الملك هنا للمشتري فكيف يتحقق البائع أن ذاك يد المالك إذ ثبوت يد الملك له يقتضي ثبوت نفس الملك أيضا له فيلزم أن يجتمع على الدار المبيعة في حالة واحدة ملكان وهما ملك البائع وملك المشتري وهو محال وإن أريد بيد الملك غير معناه الظاهر أي اليد التي كانت لصاحبها ملكا في الأصل وإن زال ذلك الملك في الحال بالبيع فما معنى اعتبار مثل ذلك الأصل المزيل في ترتب الحكم الشرعي عليه في الحال وهل يليق أن يعد ذلك أصلا لإمامنا الأعظم فعليك بالتأمل الصادق. وظاهر إطلاق المصنف أنه لا فرق بين ما إذا أنكر العواقل أن الدار له وأقروا بها قال فخر الإسلام البزدوي قصد بهذا الكلام إذا أنكر العواقل كون الدار له وقالوا هي وجيعة في يده فالقول لهم إلا أن يقيموا بينة على الملك كذا في العيني على الهداية ولا فرق في ذلك بين أن يكون القتيل الموجود فيها صاحب الدار أو غيره عند الإمام رحمه الله تعالى قال رحمه الله: (وفي الفلك على من فيها من الركاب والملاحين) لأنه في أيديهم فيستوي المالك وغيره في الدار فيه وعلى هذا قول أبي يوسف ظاهر لأن عنده يستوي المالك والساكن في الدار والفرق لهما أن الفلك ينقل ويحول فيكون في اليد حقيقة بخلاف العقار فإنه لا ينقل ولا يحول وفي المحيط وقيل يجب على سكان السفينة دون مالكها لأن السفينة تحت يد الساكن دون المالك وفي شرح الطحاوي إنما تجب على راكب السفينة إذا لم يكن لها مالك معروف وإن كان لها مالك معروف فعلى مالك السفينة ومنهم من يقول على الراكب مطلقا وإطلاق محمد في النوازل الجواب على هذا. قال رحمه الله: (وفي مسجد محلة لهم وفي الجامع والشارع لا قسامة والدية على بيت المال) للعامة لا يختص به واحد منهم والقسامة لنفي تهمة القتل وذلك لا يتحقق في حق الكل فديته تكون في بيت المال لأنه مال العامة. وكذلك الجسور العامة والسوق العامة التي تكون في الشوارع لأن التدبير في هذا كله إلى الإمام لأنه نائب المسلمين لا إلى أهل السوق وقال في النهاية أراد به أن يكون السوق الأعظم نائبا عن المحال وأما الأسواق التي في المحال فهي محفوظة بحفظ أهل المحلة فتكون القسامة والدية على أهل المحلة وكذا في السوق النائي عن المحال إذا كان لها سكان أو كان لأحد فيها دار مملوكة وأما كون القسامة والدية عليهم لأنه يلزمهم الحفظ بخلاف الأسواق المملوكة لأهلها أو التي في المحال والمساجد التي فيها حيث يجب الضمان فيها على أهل المحلة أو على المالك على الاختلاف الذي بينا لأنها محفوظة بحفظ أربابها أو بحفظ أهل المحلة وفي المنتقى إذا وجد قتيل في صف من السوق فإن كان أهل ذلك الصف يبيتون في حوانيتهم فدية القتيل عليهم وإن كانوا لا يبيتون فيها فالدية على الذين لهم ملك الحوانيت ولو وجد في السجن فديته على بيت المال عندهما وعند أبي يوسف على أهله وهي مبنية على مسألة السكان والملاك. قال رحمه الله: (ويهدر لو في) (برية أو وسط الفرات) لأن الفرات ليس في يد أحد ولا في ملكه إذا كان يمر به الماء بخلاف ما إذا كان النهر صغيرا بحيث يستحق ربه الشفعة حيث يكون ضمانه على أهله لقيام يدهم عليه. وكذا البرية لا يد لأحد فيها ولا ملك فيهدر ما وجد فيها من القتل حتى لو كانت البرية مملوكة لأحد أو كانت قريبة من القرية بحيث يسمع منه الصوت تجب على المالك وعلى أهل القرية لما بينا ولو وجد القتيل في المسجد الحرام من غير زحام الناس في المسجد أو بعرفة فالدية على بيت المال من غير قسامة هذه الجملة في المنتقى وفيه أيضا وكل قتيل يوجد في المسجد الجامع ولا يدرى من قتله أو قتله رجل من المسلمين ولكن لا يدري من هو أو زحمه الناس يوم الجمعة فقتلوه ولا يدرى من هو فهو على بيت المال وإذا وجد في المسجد لقبيلة فهو على أقرب الدور منه إن كان لا يعلم الذي اشتراه وبناه وإن كان يعلم الذي اشترى المسجد وبناه كان على عاقلته القسامة والدية وإن كان في درب غير نافذ أو مصلاه واحد كان على عاقلة أصحاب الدور الذين في الدرب وفيه أيضا وإذا وجد القتيل في قبيلة فيها عدة مساجد فهو على القبيلة كلها وإذا لم يكن قبيلة فهو على أصحاب المحلة وأهل كل مسجد محلة وفي السغناقي وإذا وجد القتيل في وقف المسجد فهو كوجوده في المسجد الجامع كانت الدية في بيت المال وإن كان الوقف على قوم معلومين فالدية والقسامة عليهم وكذلك المحسوب للعامة وفي المنتقى إذا وجد قتيل على الجسر أو على القنطرة فذلك على بيت المال وذكر الكرخي وشيخ الإسلام وإن النهر العظيم إذا كان انصباب مائه في دار الإسلام تجب الدية في بيت المال لأنه في أيدي المسلمين بخلاف ما إذا كان موضع انصباب مائه في دار الحرب لأنه يحتمل أن يكون قتيل أهل الحرب فيهدر. قال رحمه الله: (ولو محتبسا بالشاطئ فعلى أقرب القرى) أي لو كان القتيل محتبسا بالشاطئ فعلى أقرب القرى في ذلك الموضع لأن الشط في أيديهم يستقون منه ويوردون دوابهم فكانوا أخص بنصرته وفي شرح الطحاوي وإن كان الشط ملكا لأحد فإن كان ملكا خاصا فهو كالدار وإن كان ملكا عاما فهو كالمحلة فأما إذا كان نهرا صغيرا انحدر من الفرات أو نحوه لأقوام معروفين فإنه تجب القسامة على أصحاب النهر والدية على عاقلتهم وفي الكافي والنهر الصغير ما يستحق بالشركة فيه الشفعة وإلا فهو عظيم كالفرات وجيحون ولم يتعرض المؤلف لما إذا وجد في بيت من ثبتت له بعض الحرية وفي الخانية ولو وجد المكاتب قتيلا في دار اشتراها لا يجب فيه شيء في قولهم جميعا وفي المكاتب سوى أبو حنيفة أيضا بين ما إذا وجد قتيلا في داره وبين ما إذا وجد غيره قتيلا إلا أنه إذا وجد غيره قتيلا لا تجب الدية على العاقلة لأنه لا عاقلة للمكاتب وإنما تجب عليه لأن عاقلته نفسه ولو وجد جميع أهل المحلة فلا تجب الدية على عواقلهم وتسقط القسامة وذكر في المنتقى عن ابن أبي مالك عن أبي حنيفة أن من وجد قتيلا في دار نفسه فليس فيه قسامة ولا دية وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف أنه قال على سكان القبيلة وعلى عاقلة المقتول دية قالوا وهو قول أبي حنيفة فرواية ابن أبي مالك تخالف رواية الأصول وفي الذخيرة وفي شرح شيخ الإسلام إذا وجد قتيل في محلة وزعم أهل المحلة أن رجلا منهم قتله ولم يدع ولي القتيل على واحد منهم بعينه لم تسقط عنهم القسامة والدية ورواية الحسن بن زياد إذا وجد العبد أو المكاتب أو المدبر أو أم الولد الذي سعى في بعض قيمته قتيلا في محلة فعليهم القسامة وتجب القيمة على عواقل أهل المحلة في ثلاث سنين. وقد روي عن أبي يوسف أنه لا يجب عليهم شيء في العبد والمكاتب والمدبر وأم الولد وهذا يجعل كجناية على البهائم ولهذا قال بأنه تجب قيمته بالغة ما بلغت إذا كان خطأ وإذا كان عمدا يجب القصاص وأما معتق البعض فإنه تجب فيه القسامة والدية عندهم جميعا لأنه بمنزلة الحر عند أبي يوسف ومحمد والحر إذا وجد قتيلا في محلة فإنه تجب على أهل المحلة القسامة والدية وعند أبي حنيفة هو بمنزلة المكاتب في الحكم إذا وجد قتيلا في محلة عنده هذا وفي شرح الطحاوي ولو وجد القتيل في دار المكاتب فإنه تكرر عليه الأيمان فإن حلف يجب عليه الأقل من قيمته ومن الدية إلا عشرة لأن المكاتب عاقلة نفسه وفي التجريد والأعمى والمحدود في القذف والكافر القسامة عليهم وإذا وجد العبد قتيلا في دار مولاه فلا شيء فيه لأن المولى صار قاتلا له حكما بملك الدار فيعتبر بما لو باشر ولو باشر لم يكن على المولى شيء فكذا هذا قالوا وهذا إذا لم يكن على العبد دين فأما إذا كان على العبد دين فإنه يضمن المولى الأقل من قيمته ومن الدين وقد نص محمد على هذا التفصيل في كتاب المأذون. قال رحمه الله: (وإن التقى قوم بالسيوف فأجلوا عن قتيل فعلى أهل المحلة القسامة والدية إلا أن يدعي الولي على أولئك أو على معين منهم) لأن القتيل بين أظهرهم والحفظ عليهم فتكون القسامة والدية عليهم إلا إذا أبرأهم الولي بدعوى القتيل على واحد منهم بعينه فيبرأ أهل المحلة. ولا يثبت على عاقلته إلا بحجة على ما بينا وقوله على معين منهم إن أريد به الواحد من أهل المحلة ليستقيم على قول أبي يوسف لأن أهل المحلة يبرءون بدعوى الولي على واحد منهم معين وهو القياس وعندهما لا يبرءون وهو استحسان وبيناه في أوائل الباب فلا يستقيم وإن أريد به واحد من الذين التقوا بالسيوف ويستقيم بالإجماع وقال أبو جعفر في كشف الغوامض هذا إذا كان الفريقان غير متناولين اقتتلوا عصبة وإن كان مشركين أو خوارج فلا شيء فيه ويجعل ذلك من إصابة العدو وإذا كان القتال بين المسلمين والمشركين في دار الإسلام ولا يدرى القاتل يرجح حال قتلى المشركين حملا لأمر المسلمين على الصلاح في أنهم لا يتركون المسلمين في مثل ذلك الحال ويقتلون المسلمين فإن قيل الظاهر أن قاتله من غير المحلة وإنه من خصمائه قلنا قد تعذر الوقوف على قاتله حقيقة فيتعلق الحكم بالسبب الظاهر وهو وجوده قتيلا في محلتهم كذا في النهاية والعناية أقول: يرد على هذا الجواب أن يقال ما بالحكم تجعلون هذا الظاهر وهو وجوده قتيلا في محلتهم موجبا لاستحقاق القسامة والدية على أهل المحلة ولا يجعلون ذلك الظاهر وهو كون قاتله خصماؤه من غير أهل المحلة دفعا للقسامة والدية عن أهل المحلة مع أن الأصل الشائع أن يكون الظاهر حجة للدفع دون الاستحقاق فالأظهر في الجواب أن يقال الظاهر لا يكون حجة للاستحقاق فبقي حال القتل مشكلا فأوجبنا القسامة والدية على أهل المحلة لورود النص بإضافة القتيل إليهم عند الإشكال فكان العمل بما ورد فيه النص أولى وسيأتي مثل هذا عن قريب إن شاء الله تعالى قال في الهداية وإن كان القوم لقوا قتالا ووجد قتيل بين أظهرهم فلا قسامة ولا دية لأن الظاهر أن قتله كان هدرا يحوج إلى ذكر الفرق بين هذا وبين ما إذا اقتتل المسلمون عصبية في محلة فأجلوا عن قتيل فإن عليهم القسامة والدية كما مر آنفا. وقالوا في الفرق إن القتال إذا كان بين المسلمين والمشركين في مكان في دار الإسلام ولا يدري أن القاتل من أيهما يرجح جانب احتمال قتل المشركين حملا لأمر المسلمين على الصلاح في أنهم لا يتركون الكفار في مثل ذلك الحال يقتلون المسلمين وأما في المسلمين من الطرفين فليس ثمة جهة الحمل على الصلاح حيث كان الفريقان مسلمين فبقي حال القتل مشكلا فأوجبنا القسامة والدية على أهل ذلك المكان لورود النص بإضافة القتل إليهم عند الإشكال وكان العمل بما ورد به النص أولى عند الاحتمال من العمل بالذي لم يكن كذلك. ا هـ. وقال بعض الفضلاء طعنا في المصير إلى الفرق المذكور أنه ظاهر فإن الظاهر هنا حجة للدفع عن المسلمين فيصلح حجة وثمة لو كان حجة لكان حجة للاستحقاق وذلك غير جائز فيجب على أهل المحلة للنص. ا هـ. أقول: ليس هذا الفرق بتمام فضلا عن كونه ظاهرا إذ لا نسلم أن الظاهر ثمة لو كان حجة لكان حجة للاستحقاق بل يجوز أن يكون حجة لدفع القسامة والدية على أهل المحلة ولا يكون حجة للاستحقاق على المسلمين الذين اقتتلوا عصبية في ذلك المحل فيلزم أن يكون هدرا فلا بد من تمام الفرق بين المسألتين من المصير إلى ما ذكره المشايخ من البيان ونقله صاحب العناية كما تحققته. قال رحمه الله: (وإن قال المستحلف قتله زيد حلف بالله ما قتلته ولا عرفت له قاتلا غير زيد) لأنه لما أقر بالقتل على واحد صار مستثنيا عن اليمين وبقي حكم من سواه على حاله فيحلف عليه فلا يقبل عليه قول المستحلف إنه قتله لأنه يريد بذلك إسقاط الخصومة عن نفسه فلا يقبل ويحلف على ما ذكرنا وفي النهاية هذا قول محمد وأما على قول أبي يوسف فلا يحلف على العلم لأنه قد عرف القاتل واعترف به فلا حاجة إليه ومحمد يقول بجواز أنه عرف أن له قاتلا آخر معه. قال رحمه الله: (وبطل) (شهادة بعض أهل المحلة على قتل غيرهم أو واحد منهم) وهذا عند أبي حنيفة وقالا تقبل شهادتهم إذا شهدوا على غيرهم لأن الولي لما ادعى القتل على غيرهم تبين أنهم ليسوا بخصماء غاية الأمر أنهم كانوا عرضية أنهم يصيرون خصما بمنزلتهم قابلين للتقصير الصادر منهم فلا تقبل شهادتهم وإن خرجوا من الخصومة فحاصله أن من صار خصما في حادثة لا تقبل شهادته فيها ومن كان بعرضية أن يصير خصما ولم ينتصب خصما بعد تقبل شهادته وهذان أصلان متفق عليهما غير أنهما يجعلان أهل المحلة ممن له عرضية أن يصير خصما وهو يجعلهم ممن انتصب خصما وعلى هذين الأصلين يتخرج كثير من المسائل فمن جنس الأول الوكيل بالخصومة إذا خاصم عند الحاكم ثم عزل لا تقبل شهادته والشفيع إذا طلب الشفعة ثم تركها لا تقبل شهادته بالبيع. ومن جنس الثاني الوكيل إذا لم يخاصم والشفيع إذا لم يطلب تقبل شهادتهما ولو ادعى الولي على رجل بعينه من أهل المحلة وشهد شاهدان من أهلها عليه لم تقبل شهادتهما عليه لأن الخصومة قائمة مع الكل والشاهد يقطعها عن نفسه فكان منهما فلا تقبل شهادتهما قال المتأخرون من أصحابنا المرأة تدخل مع العاقلة في التحمل لأنا نراها قاتلة فيجب عليها وهو مختار الطحاوي وهو الأصح فصار كما إذا باشرت القتل بنفسها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. قال في النهاية لما كان موجب القتل الخطأ وما في معناه الدية على العاقلة لم يكن بد من معرفتها ومعرفة أحكامها فذكرها في هذا الباب، ورده صاحب المعراج، وقال وجه المناسبة إنما هو لما فرغ من بيان القتل الخطأ وتوابعه شرع في بيان من تجب عليه الدية إذ لا بد من معرفتها قال رحمه الله: (هي جمع معقلة، وهي الدية) أي المعاقل جمع معقلة بالضم، والمعقلة الدية، وتسمى عقلا لأنها تعقل الدماء من أن تسفك أي تمسكها يقال عقل البعير عقلا إذا شده بالعقال، ومنه العقل لأنه يمنع صاحبه من المقاتل أقول: هكذا وقع العنوان في عامة المعتبرات لكن كان ينبغي أن يذكر العواقل بدل المعاقل لأن المعاقل جمع معقلة، وهي الدية كما صرح به المصنف وغيره فيصير المعنى كتاب الديات، وهذا مع كونه مؤديا إلى التكرار ليس بتام في نفسه لأن بيان أقسام الديات وأحكامها قد مر مستوفى في كتاب الديات، والمقصود بالبيان هنا بيان من تجب عليهم الدية بتفاصيل أنواعهم وأحكامهم، وهم العاقلة فالمناسبة في العنوان ذكر العواقل لأنها جمع العاقلة، والكلام هنا من وجوه الأول في تفسيرها لغة، والثاني في تفسيرها شرعا، والثالث في كيفية وجوب الدية، والرابع في بيان مدة الواجب، والخامس فيما تتحمله العاقلة، والسادس فيمن يحول على الدية من عاقلة إلى عاقلة، والسابع في عاقلة مولى الموالاة، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى قال في المبسوط فيه فصول أحدها في معرفة العاقلة، والثاني في كيفية وجوب الدية عليه، والثالث في بيان مدة الواجب، والرابع فيما تتحمله العاقلة وما لا تتحمله العاقلة، والخامس فيمن يحول الدية من عاقلة إلى عاقلة، والسادس في عاقلة مولى الموالاة أما تفسيرها لغة فالعاقلة اسم مشتق من العقل، وهو المنع، ولهذا يقال لما يعقل به البعير عقالا لأنه يمنعه من النفور، ومنه سمي اللب عقلا لأنه مما يمنع الإنسان عما يضره فذلك عاقلة الإنسان، وهم أهل نصرته ممن يمنعونه من قتل من ليس له قتله، وأما العاقلة. والعقل هو الدية، وجمعه المعاقل، ومنه العاقلة، وهم الذين يتحملون العقل، وهو الدية، وأما العاقلة شرعا فهم أهل الديوان من المقاتلة، وأهل الديوان الذين لهم رزق في بيت المال، وكتب أسماؤهم في الديوان، ومن لا ديوان له فعاقلته من عصبة النسب لا على أهل الديوان، وعند الشافعي رضي الله عنه العقل على عصبته من النسب لا على أهل الديوان، وذكر الطحاوي من أصحابنا أنها تجب في مال القاتل لأن وجوب العقل على العاقلة عرف بخلاف القياس لأن مؤاخذة غير الجاني بالجاني مما يأباه القياس والشرع إنما أوجب على أهل الديوان أو على العشيرة فبقي على ما عداهما على قضية القياس، ومن ليس له ديوان، ولا عشيرة قيل يعتبر المحال، ونصرة القلوب فالأقرب، وقيل تجب في ماله، وقيل تجب في مال بيت المال، وكذلك اللقيط على هذا الخلاف، ولا تعقل مدينة عن مدينة، وتعقل مدينة عن قراها لأن العقل إنما بني على التناصر والتعاون، وأهل كل مصر ينتصرون بأهل ديوان مصرهم، ولا ينتصرون بديوان أهل مصر آخر، وأهل كل مصر ينتصرون بأهل سوادهم، وقراهم، وإن كان بعيد المنزل منهم لأن البادية بادية واحدة فكانوا كأهل الديوان في مصر واحد يتعاونون على أهل المصر، وإن بعدت منازلهم، والباديتان إذا اختلفتا كانتا بمنزلة مصرين، وعاقلة المعتق قبيلة مولاه، ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه، وقبيلته قال رحمه الله: (كل دية وجبت بنفس القتل على العاقلة) والعاقلة الجماعة الذين يعقلون العقل، وهو الدية يقال وديت القتيل إذا أعطيت ديته، وعقلت عن القاتل أي أديت عنه ما لزمه من الدية، وقد ذكرنا الدية، وأنواعها في كتاب الديات، وأما وجوبها على العاقلة فالأصل فيه ما صح «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بدية المرأة المقتولة ودية جنينها على عصبة العاقلة فقال أبو القاتلة المقضي عليه يا رسول الله كيف أغرم من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ومثل ذلك ضلال فقال عليه الصلاة والسلام هذا من الكهان»، ولأن النفس محرمة فلا وجه إلى إهدارها، ولا إيجاب على المخطئ لأنه معذور فرفع عنه الخطأ، وفي إيجاب الكل عليه عقوبة لما فيه من إجحافه واستئصاله فيضم إليه العاقلة تحقيقا للتخفيف فكانوا أولى بالضم، وقوله كل دية وجبت بنفس القتل يحترز به عما ينقلب مالا بالصلح أو بالشبهة لأن العدو يوجب العقوبة فلا يستحق التخفيف فلا تتحمل عنه العاقلة، وفي مبسوط شيخ الإسلام طعن بعض، وقال لا جناية من العاقلة، ووجوب الدية باعتبارها فتكون في مال القاتل يؤيد ذلك قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ألا ترى أن من أتلف دابة يضمنها في ماله فكذا إيجاب الدية قلنا إيجاب الدية على العاقلة مشهور ثبت بالأحاديث المشهورة، وعليه عمل الصحابة، ومن بعدهم يتراد به على كتاب الله تعالى. قال رحمه الله: (وهي أهل الديوان إن كان القاتل منهم) تؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين وأهل الديوان هم الجيش الذين كتبت أسماؤهم في الديوان، وهذا عندنا، وقال الشافعي على أهل العشيرة لما روينا، وكان كذلك إلى أيام عمر رضي الله عنه ولا نسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيبقى على ما كان، ولأنها صلة، والأقارب أولى بها كالإرث والنفقات، ولنا أقضية عمر رضي الله عنه فإنه لما دون الدواوين جعل الدية على أهل الديوان بمحضر من الصحابة من غير نكير منهم، وليس ذلك بنسخ بل هو تقرير معنى لأنه كان على أهل النصرة، وقد كانت بأنواع بالحلف والولاء والعدو، وفي عهد عمر رضي الله عنه قد صارت بالديوان فجعل على أهلها اتباعا للمعنى، ولهذا قالوا لو كان اليوم يتناصرون بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة، وإن كانوا بالحلف فأهله، والدية صلة كما قال لكن إيجابها فيما هو صلة، وهو العطايا أولا من إيجابها في أصول أموالهم لأنه أحق وما تحملت العاقلة إلا للتخفيف، والتقدير بثلاث سنين مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومحكي عن عمر رضي الله عنه قال رحمه الله: (فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل أخذ منها) لحصول المقصود لأن المقصود التخفيف. وقد حصل أقول: فيه بحث، وهو أن القياس كان يأبى إيجاب المال بمقابلة النفس المحترمة لعدم المماثلة بينهما إلا أن الشرع ورد بذلك كما صرحوا به، والشرع إنما ورد بإيجابه مؤجلا بثلاث سنين فإنه المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المحكي عن عمر رضي الله عنه كما مر آنفا فينبغي أن يختص التأجيل بثلاث سنين إذ تقرر عندهم أن الشرع الوارد على خلاف القياس يختص بما ورد به، وسيجيء نظير هذا في الكتاب في تعليل أن ما وجب على القاتل في ماله كما إذا قتل الأب ابنه عمدا ليس بحال عندنا بل مؤجلا بثلاث سنين فتأمل هل يمكن دفعه، وهذا إذا كانت العطايا للسنين المستقبلة حتى لو اجتمعت في السنين الماضية قبل القضاء بالدية ثم خرجت بعد القضاء لا يؤخذ منها لأن الوجوب بالقضاء. ولو خرجت عطايا ثلاث سنين مستقبلة في سنة واحدة يؤخذ منها كل الدية لأنها بعد الوجوب إذ الوجوب بالقضاء، وقد حصل المقصود بذلك، وهو التخفيف، وإذا كان الواجب ثلث الدية أو أقل يجب في سنة واحدة، وإذا كان أكثر منه يجب في سنتين إلى تمام الثلثين ثم إذا كان أكثر منه إلى تمام الدية تجب في ثلاث سنين لأن جمع الدية في ثلاث سنين فيكون كل ثلث في سنة ضرورة، والواجب على القاتل كالواجب على العاقلة حتى تجب في ثلاث سنين، وذلك مثل الأب إذا قتل ابنه عمدا إذا انقلب القصاص مالا، ولو قتل عشرة رجلا واحدا خطأ فعلى عاقلة كل واحد منهم عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل، وهو بدل النفس فيؤجل كل جزء من أجزائه بثلاث سنين، وأول المدة يعتبر من وقت القضاء بالدية لأن الواجب الأصلي هو الدية والنقل إلى القيمة بالقضاء فتعتبر قيمته من ذلك الوقت قال رحمه الله: (وإن لم يكن ديوانا فعلى عاقلته) لما روينا، ولأن نصرته بهم، وهي المعتبرة في الباب قال رحمه الله: (وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يؤخذ من كل في كل سنة إلا درهم أو درهم وثلث ولم يزد على كل واحد من كل الدية في ثلاث سنين على أربعة) وذكر القدوري لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة، وينقص منها، والأول أصح فإن محمدا نص على أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم وثلث كما ذكرنا هنا لأن معنى التخفيف مراعى فيه قال رحمه الله: (فإن لم تتسع القبيلة لذلك ضم إليها أقرب القبائل نسبا على ترتيب العصبات) لتحقق معنى التخفيف، واختلفوا في أبي القاتل وأبنائه قيل يدخلون لقربهم، وقيل لا يدخلون لأن الضم ينفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من أربعة، وهذا المعنى إنما يستحق عند الكثرة، والأبناء والآباء لا يكثرون قالوا هذا في حق العرب لأنهم حفظوا أنسابهم فأمكن إيجابهم على أقرب القبائل، وأما العجم فقد ضيعوا أنسابهم فلا يمكن ذلك في حقهم فإذا لم يمكن فقد اختلفوا فيه فقال بعضهم يعتبر بالمحال والقربة الأقرب فالأقرب، وقال بعضهم رأى يفوض ذلك إلى الإمام لأنه هو العالم به، وهذا كله عندنا، وعند الإمام الشافعي يجب على كل واحد نصف دينار فيستوي بين الكل لأنه كله صلة فيعتبر بالزكاة، ولو كانت عاقلته أصحاب الرزق يقضى بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث يؤخذ كلما خرج رزق ثلث الدية بمنزلة العطايا، وإن كان يخرج في كل سنة، وأرزاق في كل شهر فرضت الدية في الأعطية دون الأرزاق لأن الأخذ من الأعطية أيسر لهم، والأخذ من الأرزاق يؤدي إلى الإضرار بهم إذ الأرزاق لكفاية الوقت، ويتضررون بالأداء منه، والأعطية ليكونوا مؤتلفين في الديوان قائمين بالنصرة فتيسر عليهم الأداء منه. قال رحمه الله: (والقاتل كأحدهم) أي كواحد من العاقلة فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره به، وقال الشافعي رضي الله عنه لا يجب على القاتل شيء من الدية لأنه معذور، ولهذا يجب عليه الكل فكذا البعض إذ الجزء لا يخالف الكل قلنا إيجاب الكل إجحاف به، ولا كذلك إيجاب البعض، ولأنها تجب بالنصرة، ولا ينصر نفسه مثل ما ينصر غيره بل أشد فكان أولى بالإيجاب عليه فإذا كان المخطئ معذورا فالبريء منه أولى قال الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. قال رحمه الله: (وعاقلة المعتق قبيلة مولاه) إذ نصرته بهم، واسمها ينبي عنها يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «مولى القوم منهم» قال رحمه الله: (ويعقل عن مولى الموالاة مولاه وقبيلته) ومولى الموالاة هو الحليف فيعقل عنه مولاه الذي عاقده، وعاقلة مولاه، وهو المراد بقوله وقبيلته أي قبيلة مولاه الذي عاقده لأنه المعروف به فأشبه مولى العتاقة. قال رحمه الله: (ولا تعقل عاقلة جناية العبد) ولا العمد وما لزم صلحا واعترافا لما روينا، ولأنه لا ينتصر بالعبد والإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة لقصور ولايته عنهم قال رحمه الله: (إلا أن يصدقوه في الإقرار) لأن التصديق إقرار منهم فتلزمهم بإقرارهم بأن لهم ولاية على أنفسهم، والامتناع كان لحقهم، وقد زال أو تقوم البينة لأن ما ثبت بالبينة كالمشاهدة لأنها كاسمها مبينة، وتقبل البينة هنا مع الإقرار، وإن كانت لا تعتبر معه لأنها تثبت ما ليس بثابت بإقرار المدعى عليه، وهو الوجوب على العاقلة ثم ما ثبت بالإقرار يجب مؤجلا وما ثبت بالصلح حال إلا إذا شرط التأجيل في الصلح، وقد عرف في موضعه، ولو أقر بالقتل خطأ فلم يرتفعوا إلى الحاكم إلا بعد سنين فقضي عليه بالدية في ماله في ثلاث سنين كان أول المدة من يوم قضي عليه لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة فكذا في الثابت بالإقرار أولى لأنه أضعف، ولو تصادق القاتل وأولياء المقتول على أن قاضي بلد كذا قضى بالدية على عاقلته بالبينة، وكذبتهما العاقلة فلا شيء على العاقلة لأن تصادقهما لا يكون حجة عليهم، ولم يكن عليه شيء في ماله لأن الدية بتصادقهما تقررت على العاقلة بالقضاء، وتصادقهما حجة في حقهما فلا يلزم إلا حصته بخلاف الأول حيث تجب جميع الدية على المقر لأنه لم يوجد التصديق من الولي بالقضاء بالدية على العاقلة، وقد وجد هنا فافترقا. قال رحمه الله: (وإن جنى حر على عبد خطأ فهي على عاقلته) يعني إذا قتله لأن العاقلة لا تتحمل أطراف العبد، وقال الشافعي لا تتحمل النفس أيضا بل يجب في مال القاتل، ولنا أنه آدمي فتتحمله العاقلة كالحر، وهذا لأن ما يجب بقتله دية، وهي بدل الآدمي لا المال على ما بيناه من قبل فكانت على العاقلة بخلاف ما دون النفس لأنه يسلك به مسلك الأموال، والمراد بالحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تعقل العاقلة عمدا، ولا عبدا جناية» أي لا تعقل العاقلة جناية عمدا، ولا جناية عبد، ونحن نقول به لأن جنايته توجب دفعه إلا أن يفديه المولى قال أصحابنا ليس على المرأة والذرية ممن له حظ في الديوان عقل لقول عمر رضي الله عنه لا يعقل مع العواقل صبي، ولا امرأة، ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة، والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء، ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة، وهو الجزية، وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية، وهذا صحيح فيما إذا قتله غيرهما، وأما إذا باشرا القتل بأنفسهما فالصحيح أنهما يشاركان العاقلة، وكذا المجنون إذا قتل فالصحيح أن يكون كواحد من العاقلة. والحاصل أن الاستنصار بالديوان أظهر فلا يظهر معه حكم النصرة بالقرابة والولاء وقرب السكنى، والعد والحلف، وبعد ديوان النصرة بالنسب على ما بينا، وعلى هذا يخرج كثيرا من مسائل المعاقل أخوان ديوان أحدهما بالبصرة، وديوان الثاني بالكوفة لا يعقل أحدهما عن صاحبه، وإنما يعقل عنه أهل ديوانه، ومن جنى جناية من أهل البصرة، وليس له في أهل الديوان عطاء، وأهل البادية أقرب إليه نسبا، ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر، ولم يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة لأن أهل الديوان هم الذين يدرءون عن أهل المصر، ويقومون بنصرتهم، ويدفعون عنهم. ولا يخصون بالنصرة أهل العطاء فقط بل ينصرون أهل المصر كلهم، وقيل إذا لم يكونوا قريبا له لا يعقلونه، وإنما يعقلون إذا كانوا قريبا له، وله في البادية أقرب منهم نسبا لأن الوجوب بحكم القرابة وأهل مصر أقرب منهم فكانت القدرة على أهل النصرة لهم فصار نظير مسألة الغيبة المنقطعة في الإنكاح، ولو كان البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه لا يعقله أهل المصر النازل فيهم لأنه لا يستنصر بهم، وإن كان لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فقتل أحدهم قتيلا فديته على عاقلته بمنزلة المسلم لأنهم التزموا أحكام الإسلام في المعاملات سيما في المعاني العاصمة عن الإضرار، ومعنى التناصر موجود في حقهم فإن لم تكن عاقلة معروفة فديته في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه كما في حق المسلم لأنا بينا أن الوجوب على القاتل، وإنما تتحول عنه إلى العاقلة إذا وجدت فإن لم توجد بقي عليه بمنزلة مسلمين تاجرين في دار الحرب قتل أحدهما صاحبه فيقضى بالدية في ماله لأن أهل دار الإسلام لا يعقلون عنه لأن تمكنه من القتل ليس بنصرتهم ولا يعقل عاقل كافر عن مسلم، ولا مسلم عن كافر لعدم التناصر والكفار يتعاقلون فيما بينهم، وإن اختلفت مللهم لأن الكفر كله ملة واحدة. قالوا هذا إذا لم تكن المعادات بينهم ظاهرة أما إذا كانت ظاهرة كاليهود والنصارى ينبغي أن لا يعقل بعضهم بعضا، وهذا عند أبي يوسف لانقطاع التناصر بينهم، ولو كان العاقل من أهل الكوفة، وله بها عطاء، وحمول ديوانه إلى البصرة ثم إذا رفع إلى القاضي فإنه يقضي بالدية على عاقلته من أهل البصرة، وقال زفر يقضي على عاقلته من الكوفة، وهم أهل الكوفة فصار كما لو حول بعد القضاء، ولنا أن الدية إنما تجب بالقضاء على ما ذكرنا أن الواجب هو المثل، وبالقضاء ينقل إلى المال بخلاف ما إذا حول بعد القضاء لأن الوجوب قد تقرر بالقضاء فلا ينتقل بعد ذلك لأن حصة القاتل تؤخذ من عطائه بالبصرة لأنها تؤخذ من العطاء، وعطاؤه بالبصرة بخلاف ما إذا نقلت العاقلة بعد القضاء عليهم حيث يضم إليهم أقرب القبائل في النسب لأن في النقل إبطال الحكم الأول فلا يجوز بحال، وفي الضم تكثير المتحملين فيما قضي به عليهم فكان فيه تقرير الحكم الأول لا إبطاله، وعلى هذا لو كان القاتل مسكنه بالكوفة، وليس له عطاء بها فلم يقض عليهم حتى استوطن البصرة قضي على أهل البصرة بالدية، ولو كان قضي بها على أهل الكوفة فلم ينتقل إليهم، وكذا البدوي إذا لحق بالديوان بعد القتل قبل قضاء القاضي يقضى بالدية على أهل الديوان، وبعد القضاء على عاقلته. فالدية لا تتحول عنهم بخلاف ما إذا كان قوم من أهل البادية فقضي عليهم بالدية في أموالهم في ثلاث سنين ثم جعلهم الإمام في العطاء حيث تصير الدية في عطاياهم، ولو كان قضى بها في أول مرة لأنه ليس له نقض القضاء الأول لأنه قضى بها في أموالهم، وأعطاهم أموالهم غير أن الدية تقضى من أيسر الأموال إذ الأداء من العطاء أيسر إذا صاروا من أهل العطاء إلا إذا لم يكن مال العطاء من جنس ما قضي به عليهم بأن كان القضاء بالإبل، والعطاء دراهم فحينئذ لا يتحول إلى الدراهم لما فيه من إبطال القضاء الأول لكن تقضى الإبل من مال العطايا بأن يشتري به لأنه أيسر، قال علماؤنا رحمهم الله تعالى إن القاتل إذا لم يكن له عاقلة والدية في بيت المال إذا كان القاتل مسلما لأن جماعة المسلمين هم أهل نصرته، وليس بعضهم أخص من البعض بذلك، ولهذا إذا مات فميراثه لبيت المال فكذا ما يلزمه من الغرامة يلزم بيت المال، وعن أبي حنيفة رواية شاذة أنها تجب الدية في ماله وابن الملاعنة تعقل عنه عاقلة أمه لأن نسبه ثابت منها دون الأب فإذا عقلت عنه ثم ادعاه الأب رجعت عاقلة الأم بما أدت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم قضي لهم بالرجوع عليهم لأنه تبين أن الدية كانت وجبت عليهم لأنه بالدعوى ظهر أن النسب كان ثابتا منه من الأصل فقوم الأم يحملون ما كان واجبا على قوم الأب فيرجعون بها عليهم لأنهم مضطرون في ذلك. وكذا إذا مات المكاتب عن وفاء، وله ولد مسلم حر فلم يؤد كتابته حتى جنى ابنه، وعقل عنه قوم أمه ثم أديت الكتابة ترجع عاقلة الأم على عاقلة الأب لأنه إذا أدى الكتابة يتحول ولاؤه إلى قوم أبيه من وقت تثبت الحرية للأب، وهو آخر جزء من أجزاء حياته فتبين أن قوم الأم عقلوا عنهم فيرجعون عليهم، وكذا رجل أمر صبيا بقتل رجل فقتله فضمنت عاقلة الصبي الدية رجعت بها على عاقلة الآمر إن كان الأمر ثبت بالبينة، وفي مال الآمر إن كان ثبت بإقراره في ثلاث سنين من يوم يقضى بها على الآمر أو على عاقلته لأن الدية تجب مؤجلة بطريق التيسير عليهم فكذا الرجوع بها تحقيقا للمماثلة ثم مسائل العاقلة من هذا الجنس كثيرة، وأجوبتها مختلفة، والضابط الذي يرد كل جنس إلى أصله أن يقال إن حال القاتل إن تبدل حكما بسبب حادث فانتقل ولاء إلى ولاء لم تنتقل جنايته عن الأول قضي بها أو لم يقض، وذلك كالولد المولود بين حرة وعبد إذا جنى ثم أعتق العبد لا يجر ولاء الولد إلى قومه ولا تتحول الجناية عن عاقلة الأم قضي بها أو لم يقض، وكذا لو حفر هذا الغلام بئرا ثم أعتق أبوه ثم وقع فيها إنسان يقضى بالدية على عاقلة الأم لأن العبرة بحالة الحفر، ومن نظيره حربي أسلم، ووالى رجلا فجنى ثم أعتق أبوه جر ولاؤه لأن ولاء العتاقة أقوى. وجنايته على عاقلة من والاه لأن العبرة لوقت الجناية، وتحول الولاء بسبب حادث فلا يعتبر في حق تلك الجناية فلا يتبدل، وإن لم يتبدل حال القاتل، ولكن ظهرت حالة خفيت فيه تحولت الجناية إلى الأخرى وقع القضاء بها أو لم يقع، وذلك مثل دعوة ولد الملاعنة وولد المكاتب إذا مات المكاتب عن وفاء، وأمر الرجل الصبي بالجناية، ولو لم يتبدل حال الجاني، ولم يظهر فيه الحالة الحقيقية، ولكن العاقلة تبدلت كان الاعتبار في ذلك الوقت القضاء لا غير فإن قضي بها على الأول لم تنتقل إلى الثاني، وإلا قضي بها على الثانية، وذلك مثل أن يكون من ديوان أهل الكوفة ثم جعل من ديوان أهل البصرة فإن لم يكن فيه شيء مما ذكرنا لكن لحق العاقلة زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء، وبعده إلا فيما سبق أداؤه فمن أحكم هذا الفصل، وتأمل فيه أمكنه تخريج المسائل ورد كل واقعة من النظائر والأضداد إلى أصلها قال بعض الفضلاء هذا مخالف لما سبق في أول باب جناية المملوك إن أهل الذمة لا يتعاقلون فيما بينهم، وجوابه أن ذلك مبني على الغالب. ا هـ. أقول: يأبى هذا الجواب قول المصنف هنا فلا عاقلة بعد قوله أنهم لا يتعاقلون فيما بينهم لأن النكرة المنفية تفيد العموم على ما عرف فالأولى في الجواب أن يقال المراد هناك نفي الوقوع أي لم يقع التعاقل فيما بينهم. والمراد هنا بيان الجواز أي لو وقع التعاقل فيما بينهم جاز ولا يضره اختلاف مللهم فتبصر، والله تعالى أعلم. قال الشراح: إيراد كتاب الوصايا في آخر الكتاب ظاهر المناسبة إذ آخر الأحوال في الآدمي في الدنيا الموت والوصية معاملة وقت الموت أقول: يرد عليه أن كتاب الوصايا ليس بمورود في آخر هذا الكتاب، وإنما المورود في آخره كتاب الخنثى كما ترى نعم إن كثيرا من أصحاب التصانيف أوردوه في آخر كتبهم لكن الكلام في شرح هذا الكتاب، ويمكن الجواب من قبل الشراح حمل الآخر في قولهم في آخر الكتاب على الإضافي فإن آخره الحقيقي، وإن كان كتاب الخنثى إلا أن كتاب الوصايا أيضا آخره بالإضافة إلى ما قبله حيث كان في قرب آخره الحقيقي، ومن هذا ترى القوم يقولون وقع هذا في أوائل كذا أو أواخره فإن صيغة الجمع لا تتمشى في الأول الحقيقي والآخر الحقيقي، وإنما المخلص في ذلك تعميم الأول، والآخر للحقيقي والإضافي، والكلام في الوصية من وجوه الأول في تفسيرها لغة، والثاني في تفسيرها شرعا والثالث في سبب المشروعية، والرابع في ركنها، والخامس في شرطها، والسادس في صفتها، والسابع في حكمها، والثامن في دليل مشروعيتها أما الوصية في اللغة فهي اسم بمعنى المصدر الذي هو التوصية، ومنه قوله تعالى: {حين الوصية} ثم سمي الموصى به وصية. ومنه قوله تعالى: {من بعد وصية توصون بها} وفي الشريعة (الوصية تمليك مضاف لما بعد الموت) بطريق التبرع سواء كانت ذلك في الأعيان أو في المنافع كذا في عامة الشروح أقول: وهذا التعريف ليس بجامع لأنه لا يشمل حقوق الله تعالى، والدين الذي في ذمته، ولو قال المؤلف هي طلب براءة ذمته من حقوق الله تعالى والعباد ما لم يصلهما أو تمليك إلى آخره لكان أولى لا يقال إدخال أو في الحدود لا يجوز لأن الحدود الحقيقية ولا تعدد فيها لأنا نقول إذا أريد تعريف الحقيقة في ضمن الأفراد جاز ذلك كما تقرر قال بعض المتأخرين ثم الوصية، والتوصية، وكذا الإيصاء في اللغة طلب فعل من غيره ليفعله في غيبته حال حياته أو بعد وفاته، وفي الشريعة تمليك مضاف إلى ما بعد الموت على سبيل التبرع عينا كان أو منفعة هذا هو التعريف المذكور في عامة الكتب، وذكر في الإيضاح أن الوصية هي ما أوجبه الإنسان في ماله بعد موته أو في مرض موته والوصية بهذا المعنى هي المحكوم عليها بأنها مستحبة غير واجبة، وأن القياس يأبى جوازها فعلى هذا يكون بعض المسائل مثل مسألة حقوق الله تعالى وحقوق العباد، والمسائل المتعلقة بالوصي مذكورة في كتاب الوصايا بطريق التطفل لكن التحقيق أن هذه الألفاظ كما أنها موضوعة في الشرع للمعنى المذكور موضوعة فيه أيضا لطلب شيء من غيره ليفعله بعد مماته فقد نقل هذا عن شيخ الإسلام خواهر زاده لكن يشترط استعمال لفظ الإيصاء باللام في المعنى الأول. وبإلى في المعنى الثاني فحينئذ يكون ذكر المسائل المذكورة على أنها من فروع المعنى الثاني لا على سبيل التطفل إلى هنا لفظه ثم إن سبب الوصية سبب سائر التبرعات، وهو إرادة تحصيل الذكر الحسن في الدنيا ووصول الدرجات العالية في العقبى. وأما شرائطها فكون الموصي أهلا للتبرع، وأن لا يكون مديونا، وكون الموصى له حيا وقت الوصية، وإن لم يكن مولودا حتى إذا أوصى للجنين إذا كان موجودا حيا عند الوصية تصح، وإلا فلا، وإنما تعرف حياته في ذلك الوقت بأن ولدته قبل ستة أشهر حيا، وكونه أجنبيا حتى أن الوصية للوارث لا تجوز إلا بإجازة الورثة، وأن لا يكون قاتلا، وكون الموصى به شيئا قابلا للتمليك من الغير بعقد من العقود حال حياة الموصي سواء كان موجودا في الحال أو معدوما، وأن يكون أيضا الموصى به بقدر الثلث حتى أنها لا تصح فيما زاد على الثلث كذا في النهاية، وفي العناية أيضا بطريق الإجمال، وفي الأصل، ومن شروطها كون الموصي أهلا للتبرع فلا تصح من صبي ولا عبد، وأقول: فيه قصور بلا خلل أما أولا فلأنه جعل من شرائطها أن لا يكون الموصي مديونا بدون التقييد بأن يكون الدين مستغرقا لتركته، والشرط عدم هذا الدين المقيد لا عدم الدين المطلق كما صرح به في البدائع غيره. وأما ثانيا فلأنه جعل من شرائطها كون الموصى له حيا وقت الوصية، والشرط كونه موجودا وقت الوصية لا كونه حيا ألا ترى أنهم جعلوا الدليل عليه الولادة قبل ستة أشهر حيا، وتلك إنما تدل على وجود الجنين وقت الوصية لا على حياته في ذلك الوقت كما لا يخفى على العارف بأحوال الجنين في الرحم، وبأقل مدة الحمل، وعن هذا كان المذكور في عامة المعتبرات عند بيان هذا الشرط أن يكون الموصى له موجودا وقت الوصية بدون ذكر قيد الحياة أصلا، وأما ثالثا فلأنه جعل من شرائطها أن يكون الموصى به مقدار الثلث لا زائدا عليه، وهو ليس بسديد على إطلاقه فإن الموصي إذا ترك ورثة فإنما لا تصح وصيته بما زاد على الثلث إن لم تجز الورثة، وإن أجازوه صحت وصيته به، وأما إذا لم يترك وارثا فتصح وصيته بما زاد على الثلث حتى بجميع ماله عندنا كما تقرر في موضعه فلا بد من التقييد مرتين مرة بأن يكون له وارث، وأخرى بأن لا يجيزه الوارث، والله أعلم. وأما ركنها فقوله أوصيت بكذا، وأما صفتها فقد ذكرها المؤلف، وأما حكمها فالموصى له يملك المال بالقبض، وأما سبب مشروعيتها فقوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}. قال رحمه الله: (وهي مستحبة) يعني الوصية مستحبة أقول: الحكم بالاستحباب على الوصية مطلقا لا يناسب ما سيأتي من التفصيل في الكتاب من أن الوصية بالثلث للأجنبي جائزة بدون الثلث مستحبة إن كانت الورثة أغنياء أو يستغنون بنصيبهم. وإن كانوا فقراء لا يستغنون بما يرثون فترك الوصية أولى، وأنها لا تجوز للوارث والقاتل فكان الظاهر أن يقال الوصية غير واجبة بل هي مستحبة أو جائزة اللهم إلا أن يوجبه قوله وهي مستحبة بأن المراد به أن غاية أمرها الاستحباب دون الوجوب لا أنها مستحبة على الإطلاق فكأنه قال إنها لا تصل إلى مرتبة الوجوب بل قصارى أمرها الاستحباب لكن يرد عليه النقض بالوصية لحقوق الله تعالى كالصلاة والزكاة والصوم والحج التي فرط فيها، والظاهر أنها واجبة كما صرح به الإمام الزيلعي في التبيين قال في العناية أخذا من النهاية فقوله غير واجبة رد لقول من يقول أن الوصية للوالدين والأقربين إذا كانوا ممن لا يرثون فرض، ولقول من يقول الوصية واجبة على كل أحد ممن له مروءة ويسار لقوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} والمكتوب علينا فرض، ولما لم يفهم الاستحباب من نفي الوجوب لجواز الإباحة قال الشارح هذا إذا لم يكن عليه حق مستحق لله، وإن كان عليه حق مستحق لله كالزكاة، والصوم أو الحج أو الصلاة التي فرط فيها فهي واجبة، والقياس يأبى جوازها لأنها تمليك مضاف إلى حال زوال الملك، ولو أضافه إلى حال قيامه بأن قال ملكتك غدا كان باطلا فهذا أولى إلا أن الشارع أجازه لحاجة الناس إليها لأن الإنسان مغرور بأمله مقصر في عمله فإذا عرض له عارض، وخاف الهلاك يحتاج إلى تلافي ما فاته من التقصير بماله على وجه لو تحقق ما كان مخالفة يحصل مقصوده. وقد يبقى الملك بعد الموت باعتبار الحاجة كما يبقى في قدر التجهيز والدين، وقد نطق بها الكتاب، وهو قوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} والسنة، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم»، وعليه إجماع الأمة ثم تصح الوصية للأجنبي بالثلث من غير إجازة الوارث ولا تجوز بما زاد على الثلث لما روي: «عن سعد بن أبي وقاص أنه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتد بي فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال قلت: فالشطر يا رسول الله قال لا قال قلت: فالثلث قال فالثلث، والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»، ولأن حق الورثة تعلق بماله لانعقاد سبب الزوال إليهم، وهو استغناؤهم عن المال إلا أن الشرع لم يظهر في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره، وأظهره في حق الورثة لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم تحرزا عما يتفق لهم من التأذي بالإيثار، وقد جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: «الحيف في الوصية من أكبر الكبائر»، وفسروه بالزيادة على الثلث، وبالوصية للوارث، وقوله مستحبة إلخ الأفضل لمن كان قليل المال أن لا يوصي بشيء، والأفضل لمن كان له مال كثير أن يوصي بما لا معصية فيه. وقدر الأغنياء عند الإمام إذا ترك لكل واحد من الورثة أربعة آلاف دون الوصية، وعن الإمام الفضل عشرة آلاف، وفي الموصي الذي أراد أن يوصي ينبغي أن يبدأ بالواجبات فإن لم يكن عليه شيء من الواجبات بدأ بالقرابة فإن كانوا أغنياء فالجيران، وفي الفتاوى عامل السلطان أوصى بأن يعطى للفقراء كذا كذا من ماله قال أبو القاسم إن علم بأنه مال غيره لا يحل أخذه، وإن علم أنه مختلط بمال غيره جاز أخذه، وإن لم يعلم لا يجوز حتى يتبين أنه ماله قال الفقيه أبو الليث الجواز قول أبي حنيفة لأنه ملكه بالخلط، وعلى قولهما لا يجوز، وفي الخانية إذا أوصى أن ينفق على فرس فلان جاز، وهي وصية لصاحب الفرس. قال رحمه الله: (ولا تصح بما زاد على الثلث) فهذه العبارة أولى من عبارة الهداية حيث قال ولا تجوز لأنه يلزم من عدم الصحة عدم الجواز ولا يلزم من عدم الجواز عدم الصحة، والمراد بعدم الصحة عدم النفاذ حتى لا ينفذ بل يتوقف على الإجازة كما سيأتي إن شاء الله تعالى قال بعض المتأخرين يعني لا يجوز بما زاد على الثلث حتى لا يجوز في حق الفاضل على الثلث بل في حق الثلث فقط لا أنه لا تجوز هذه الوصية أصلا فإن قلت: كيف جاز استعمال اللفظ في بعض مدلولاته دون بعض، وبأي وجه أمكن ذلك قلت: يجعله في حكم وصايا متعددة بأن يجعل قوله أوصيت لفلان بثلثي مالي في قوة قوله أوصيت له بثلثه دون الزائد والوصية تارة تكون منجزة. وتارة معلقة بشرط فيجب أن يعلم بأن تعلق الوصية بالشرط جائز، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف في الإملاء إذا أوصى بثلثه لرجل على أن يحج عنه فهذا جائز إن قبل ذلك الموصى له ابن سماعة عن أبي يوسف إذا قال في وصيته ينفق على فلان كذا، والموصى له غائب أو مات الموصي، وهو غائب فهو بمنزلة رد الوصية ولا شيء له، وكذلك إن قدم فلم يقبل، وإن قدم، وقبل فله ما مضى قال أبو يوسف رجل أوصى بثلث ماله لرجل، وقال إن أبى فهو لفلان فمات الموصى له الأول أو لم يأب فالثلث للأول، ولو أبى كان للآخر، ولو قال ثلثي وصية لفلان فإن لم يشأ ذلك فلفلان فهو مثل الأول، ولو قال ثلثي وصية لفلان إن شاء، وإن أبى فهو لفلان فمات الموصى له قبل أن يتكلم بشيء فالثلث مردود على الورثة ابن سماعة عن محمد رجل أوصى لرجل بوصية، وقال إن لم يقبل فلان ما أوصيت له به أو قال إن رد فلان ما أوصيت به فهو لفلان فإذا الموصى له الأول حيا أو كان حيا فمات قبل الموصي، ولم يعلم بالوصية قال هي للثاني كلها قال إن أسلمت جاريتي هذه فأعتقوها فباعوها قبل أن تسلم ثم أسلمت بعد مضي البيع صح ولا ترد قال أبو حنيفة إذا قال أوصيت أن يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو لفلان فقال فلان لا أقبل الوصية قال يخدم الورثة سنة ثم الموصى له ولا تبطل وصيته للثاني بإباء الأول الخدمة قال أعطوه فلانا بعد السنة فإن مات فلان خدم تمام السنة للورثة ثم يدفع إلى الموصى له بعد تمام السنة. وقال أبو حنيفة هذه وصية فيها يمين، وليست المسألة الأولى كهذه إبراهيم بن رستم عن محمد قال أرضي التي في موضع كذا، وغلامي فلان لأم ولده فيصير ميراثا منها ابن سماعة عن أبي يوسف أوصى أن ينفق على أم ولده ما قامت على ولدها، وقال إن تزوجت فلا شيء لها فتزوجت، وطلقها زوجها فرجعت إلى ولدها لم يرد عليها ما كان أوصى به لها، وقد بطل، وكذلك إن خرجت من بلادها إلى بلاد أخرى، ولو خرجت من دارها أو جاء منها شيء يعرف أنها قد تركتهم، ولم تقم عليهم فلا هذه الدار لك على أن تحج في سبيل الله أو قال هذه الدابة لك على أن تغزوا عليها في سبيل الله قال هي له، وله أن يصنع بها ما شاء عن أبي يوسف رجل أوصى بثلث ماله لرجل، وشرط عليه أن يقضي دينه معناه شرط الموصي على الموصى له أن يقضي دين الموصي فهذا على وجوه إن كان الدين مجهولا أو كان معلوما إلا أن الثلث مجهول فالوصية باطلة، وإن كان الدين معلوما، والثلث معلوما فإن لم يكن في الثلث ذهب ولا فضة فهو جائز، ويجب له الثلث بالدين إذا قبل كما يجب في البيع، وإن كان في الثلث دراهم إن كان أكثر من الدين فإن هذا لا يجوز من قبيل أن هذا بيع دراهم بدراهم، وفضل عروض سوى ذلك، وإن كانت الدراهم التي في الثلث أقل من الدين جاز فإن قبض الثلث ساعة يموت أو قبض الدراهم التي في الثلث ساعة يموت، وقضى الدين ساعته انتقص ذلك في الدراهم ما يخصه. وجاز في العروض أوصى بألف درهم على أن يقضي عنه فلانا خمسمائة لا يجوز، ولو قال على أن يقضي عنه فلانا منها خمسمائة جاز العلاء في نوادر هشام عن أبي يوسف إذا قال إذا مت، وهذان العبدان في ملكي فهما وصية لفلان فمات أحد العبدين ثم مات الموصي، والثاني في ملكه فالوصية باطلة، ولو قال إن مت وفلان وفلان حيان فهذا العبد وصية لهما فمات أحدهما قبل موت الموصي فإن الثاني منهما يعطى نصف العبد قال وإذا أوصى رجل لأمته أن تعتق على أن تتزوج ثم مات الموصي فقالت الأمة لا أتزوج فإنها تعتق، ويجب أن يعلم بأن الموصي متى علق عتق مملوكه بشيء بعد موته فإنه لا يخلو من وجهين أن يعلقه على فعل غير مؤقت بأن قال هي حرة إن ثبتت على الإسلام بعد موتي أو أوصى أن يعتقوها بعد موته على أن لا تتزوج أو قال هي حرة بعد موتي إن لم تتزوج أو علق عتقه على فعل مؤقت بأن قال إن مكثت مع ولدي شهرا فهي حرة أو قال أعتقوه إن لم يتزوج شهرا فإن علق عتقه بالثبات على فعل غير مؤقت حال حياته بأن قال لمملوكه حال حياته إن ثبت مع ولدي أو في هذه الدار شهرا فأنت حرة فثبتت ساعة عتقت، وكذا إذا علق عتقه بالثبات على فعل غير مؤقت بأن أوصى بأن يعتقوها على أن لا تتزوج أو قال إن لم تتزوج إذا قالت بعد موت المولى لا أتزوج فإنها تعتق إذا كانت تخرج من ثلث ماله هكذا وقع في بعض النسخ. وفي بعض النسخ إذا لم تتزوج يوما أو أقل أو أكثر فإن الوصية لها صحيحة فإن تزوجت بعد ذلك صح نكاحها ولا يبطل عتقها، ووصيتها ولا يلزمها السعاية في شيء للورثة، وهذا قول علمائنا الثلاثة قال أوصى لأم ولده بألف درهم على أن تتزوج أو قال إن لم تتزوج إن قالت لا أتزوج بعد موت الموصي فإنه يعطي لها وصيتها فإن تزوجت بعد ذلك لا يسترد الألف منها، ولو قال ما لم تتزوج شهرا فهو على ما قال لا تستحق وصيتها ما لم تترك التزوج شهرا، وإذا تزوجت قبل مضي الشهر تبطل وصيتها أوصى لها بألف درهم على أن تثبت مع ولدها فمكثت مع ولدها ساعة استحقت الوصية قال وإذا أوصى لرجل بخادمه على أن يقيم مع ابنته، ومع ابنه حتى يستغنيا ثم هي حرة فهذا على وجهين فإما كانا كبيرين أو كانا صغيرين فإن كانا كبيرين فإنها تخدم الابنة حتى تتزوج، وتخدم الابن حتى يتأهل أو يجد ما يشتري به خادما يخدمه فيستغني عن خدمتها، وإن كانا صغيرين تخدمهما حتى يبلغا، وإن مات أحدهما أو ماتا جميعا قبل أن يستغنيا فإن الجارية لا تعتق، وتبطل الوصية قال إذا أوصى لها بالعتق على أن تتزوج فلانا بعينه فقالت أفعل تعتق من ثلثه، وبعد هذا إذا أبت أن تزوج نفسها من فلان، وفلان أجنبي لا شيء عليها قال ولو أوصى بعتق عبد له على أن لا يفارق وارثه أبدا، وعليه دين يحيط به وبطلت وصيته وبيع في الدين. ولم يتعرض المؤلف لبيان ما يدخل في الوصية بطريق التبع وما لا يدخل قال محمد الولد والكسب إذا ولدا قبل موت الموصي فإنهما لا يدخلان تحت الوصية سواء كانا يخرجان من الثلث أو لا يخرجان فأما إذا حدث الولد، والكسب بعد موت الموصي إن حدثا يوم القسمة والتسليم لا يدخلان تحت الوصية ولا يسلمان للموصى له بحكم الوصية حتى لا يعتبر فيها الثلث والثلثان فأما إذا حدث الولد، والكسب قبل قبول الموصى له قبل القسمة والتسليم هل يصير موصى به حتى يعتبر خروجه من الثلث أو لا يجعل موصى به حتى لا يكون للموصى له من غير اعتبار الثلث لم يذكر محمد هذا في شيء من الكتب نصا، وقد اختلف فيه المشايخ المتأخرون ذكر القدوري أنه لا يصير موصى به حتى لا يعتبر خروجه من الثلث، وكان للموصى له من جميع المال كما لو حدث بعد القسمة والتسليم، ومشايخنا قالوا بأنه يصير موصى به حتى لا يعتبر خروجه من الثلث كما لو وجد قبل القبول، وفي نوادر إبراهيم عن محمد فيمن أوصى لرجل بحائط فهو بأرضه كله وصية، ولو أوصى بنخلة فهو على النخلة دون الأرض قال إنما تسمى نخلة، وهي مقطوعة، وهذا في عرفهم، وفي عرفنا تسمى نخلة، وهي قائمة أيضا فعليه تدخل أرضها، وفي نوادر المعلى عن أبي يوسف أوصى لرجل بنخل كثير أو نخلة واحدة أو وهب أو تصدق أو باع فله ما على ظهر الأرض، ولو أوصى له بكرم أو بستان أو جمة فله ذلك بأصله ولا يشبهه هذه النخلة، وذكر المعلى عن أبي يوسف إذا أوصى بنخلة لإنسان، ولآخر بثمرها فالوصية جائزة، والنخل للموصى له بالنخل بأصله وأرضه، وفي نوادر ابن سماعة عن محمد إذا أوصى بزق زيت فهو على الزق دون الزيت، ولو قال بزق الزيت فهو على الزق وحده، ولو بسفينة الطعام فهو على السفينة. وكذلك على هذه الوجوه في رواية الماء، وقوصرة التمر، ولو أوصى لأحد بميزان فهو على العمود والكفتين والخيوط ولا يدخل فيه السنجات والغلاف، وهذا إذا كان بغير عينه، وأما إذا كان بعينه دخل فيه، وقال أبو يوسف إذا أوصى لرجل بالميزان فله الكفتان، والعمود ولا يكون له السنجات، وأما القبان فهو له برمانته وكفته، وذكر الحسن بن زياد في كتاب الاختلاف عن أبي يوسف إذا أوصى لرجل بسيف فله النصل دون الجفن، وهو قول أبي حنيفة، وعنه أن له السيف مع جفنه، ورواية ابن سماعة موافقة لرواية الأصل، ولو أوصى بمصحف وله غلاف فله المصحف دون الغلاف في قول أبي حنيفة، وفي البقالي له بقبة تركية فهو له بالآله فلو أوصى بخملة فله الكسوة دون العيدان، وفيه أيضا عن أبي يوسف أوصى لرجل بسرج فكل شيء علق به وحرز فيه فهو له ولا يكون له غيره، وذكر الحسن في كتاب الاختلاف عن أبي يوسف في الوصية بالسرج أن له الدوفتين والركابين والمرة لا يكون لليد والرفادة والصنقة، وذكر إبراهيم عن محمد في رجل مات فأعتق عبده قال له كسوته ومنطقته، وإن قال متاعه يدخل فيه سيفه ومنطقته قال محمد هي وصية عبد الله بن المبارك لغلامه، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف أوصى لرجل بشاة من غنمه ولم يقل من غنمي هذه فأعطى الورثة الموصى له شاة قد ولدت بعد موت الموصي قال لا يتبعها ولدها، ولو قال أوصيت لفلان بشاة من غنمي هذه فأعطوه شاة قد ولدت بعد موت الموصي ولدا قال يتبعها ولدها، ولو استهلك الوارث الولد قبل أن يعطي الشاة فلا ضمان عليه، وكذلك لو أوصى له بنخلة بأصلها، ولم يقل من نخلي هذا فهي مثل الشاة التي أوصى بها، ويعطونه أي نخلة شاءوا دون ثمرتها التي أثمرتها في حياة الموصي أو بعد وفاته، وإن كانوا استهلكوا ذلك فلا ضمان عليهم، ومما يتصل بهذا الفصل ما إذا أوصى أن تعتق جاريته هذه بعد موته ومات فقبل أن تعتق ولدت ولدا فهي مع ولدها يخرجان من الثلث عتقت الجارية، ولم يعتق الولد، وكذا لو أوصى بأن تكاتب هذه الجارية بعد موته أو أوصى أن تباع هي من نفسها أو تعتق على مال فولدت ولدا بعد موت الموصي لا تنفذ الوصية في الولد، ولو أوصى أن يتصدق بجاريته هذه على المساكين أو على فلان أو توهب من فلان فولدت ولدا بعد موته فتنفذ الوصية في الولد كما تنفذ في الجارية، ولو أوصى بأن تباع جاريته هذه من فلان بألف درهم فولدت ولدا بعد موت الموصي بيعت هي ولا يباع ولدها، ولو أوصى بأن تباع جاريته هذه، ويتصدق بثمنها على المساكين أو على فلان فولدت الجارية بعد موته ولدا فإنه تنفذ الوصية في الولد، ولو أوصى بأن تباع جاريته هذه من فلان بألف درهم فجاء عبد وقتلها فدفع بها أو قطع يدها فدفع بيدها أو وطئها وطئا بشبهة حتى غرم العقر فإنه لا يباع العبد المدفوع ولا الأرش ولا العقر فبعد ذلك ينظر إن كانت قد قتلت بطلت الوصية لفقدان محلها، وإن كانت قد قطعت يدها بيعت من الموصى له بنصف الثمن إن شاء، ولو وطئت، وهي ثيب لم ينقصها الوطء لا يحط شيء من الثمن، وكذلك إذا تلفت عينها أو يدها بآفة سماوية بيعت بجميع الثمن المشترى إلا إذا صارت إليه أصلا فصار له حصته من الثمن، ولو أوصى بأن تباع جاريته هذه من فلان بألف درهم، ويتصدق بثمنها على المساكين فأبى فلان البيع بطلت الوصيتان جميعا، وكذلك لو قتلت الجارية بعد موت الموصي، وغرم القاتل قيمتها بطلت الوصيتان، وكذلك إذا أوصى أن تكاتب جاريته، ويتصدق ببدل الكتابة أو تباع من نفسها، ويتصدق بثمنها على المساكين فولدت بعد موته ولدا بيعت هي وحدها، ولم يبع معها ولدها. وأما بيان الألفاظ التي تكون وصية، والتي لا تكون وصية روى ابن سماعة في نوادره عن محمد إذا قال الرجل اشهدوا أني أوصيت لفلان بألف درهم، وأوصيت أن لفلان في مالي ألف درهم فالألف الأولى وصية، والأخرى إقرار، والفرق أن أوصيت لما دخلت على أن المصدرية تستعمل بمعنى ذكرت، ولهذا كان إقرارا بخلاف الأولى فإنها على بابها. وفي الأصل إذا قال في وصيته سدس داري لفلان وإني أجيز ذلك يكون وصية، ولو قال سدس في داري لفلان وإني أجيز ذلك يكون وصية، ولو قال لفلان سدس في داري فإنه يكون إقرارا، وعلى هذا إذا قال الرجل لفلان درهم من مالي يكون وصية استحسانا، وإن كان في ذكر وصيته إذا قال في مالي كان إقرارا، وإذا قال عبدي هذا لفلان، وداري هذه لفلان، ولم يقل وصية ولا كان في ذكر وصية ولا بعد موتي كانت هبة قياسا واستحسانا، وإن قبضها في حال حياته صح، وإن لم يقبضها حتى مات فهو باطل، وإن ذكرها في خلال الوصية ذكر الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي في شرح وصايا الأصل القياس أن يكون هذا وصية، وفي الاستحسان لا يكون وصية، وإذا قال أوصيت أن يوهب لفلان سدس داري بعد موتي كان ذلك وصية عملا بقوله بعد موتي فالهبة بعد الموت هي الوصية فتصح مع الشيوع ولا يشترط قبضه في حياة الموصي، ولو قال ثلثي مالي لفلان أو قال سدس مالي لفلان ثم مات قبل أن يقبض فالقياس أن يكون هذا باطلا، وفي الاستحسان يكون وصية جائزة، وتأويله إذا قال ذلك في خلال الوصايا يكون وصية ظاهرة فصار كأنه قال ثلث مالي وصية لفلان، ولو قال هكذا فإنه جائز، وإن كان قبل القبض، وكذلك إذا قال بعد موتي لأنه لما قال بعد موتي فإنه نص على الوصية بخلاف ما إذا قال في صحته ثلث مالي لفلان لأنه لم يصرح بالوصية ولا ذكرها في خلال الوصايا ولا إضافة إلى ما بعد الموت فلا يجعل وصية بل يجعل هبة حتى لو ذكرها في خلال الوصايا أو إضافة إلى ما بعد الموت، وكان ذلك في حال الصحة يكون وصية. والحاصل لا فرق بين حالة الصحة وحالة المرض، وروى محمد عن أبي يوسف، وعن أبي حنيفة في رجل قال في مرضه أو في صحته إن حدث لي حادث فلفلان كذا هذا وصية، وكذلك لو قال لفلان ألف درهم من ثلثي فهذا وصية، وإن لم يذكر فيها الموت، ولو قال لفلان ألف درهم من ثلث مالي أو قال من نصف مالي أو قال من ربع مالي فهو باطل، وفي الخانية قال ذلك في صحته أو مرضه إلا أن يكون عند ذكر الوصية، وفي فتاوى الليث مريض قال أخرجوا ألف درهم من مالي أو قال أخرجوا ألف درهم، ولم يزد على هذا ثم مات فإن قال ذلك في ذكر الوصية جاز، وفي الخانية، ويصرف إلى الفقراء رجل حضرته الوفاة فقال له رجل ألا توصي فقال قد أوصيت بثلث مالي، ولم يزد عليه حتى مات يدفع كل السدس للفقراء، وفي الخانية مريض قالوا له لم لا توصي فقال قد أوصيت بأن يخرج من ثلث مالي ألفان فيتصدق بألف على المساكين، ولم يزد على ذلك حتى مات فإذا ثلث ماله ألفان قال الشيخ الإمام أبو القاسم يتصدق بالألف، ولو قال المريض أوصيت أن يخرج ثلث مالي، ولم يزد عليه قال يتصدق بجميع الثلث على الفقراء، وفي المنتقى إذا قال إن مت من مرضي هذا فأمتي هذه حرة وما كان في يدها فهو عليها صدقة قال أرى ذلك جائزا على وجه الصدقة وما كان في يدها يوم مات، وعليه البينة أن هذا كان في يدها يوم مات، ولو قال إن مت من مرضي هذا فغلماني أحرار، ويعطى فلان من مالي كذا وكذا، ويحج عني ثم برئ من مرضه ثم مرض ثانيا، وقال للشهود الذين أشهدهم على الوصية الأولى أو لغيرهم اشهدوا أني على الوصية الأولى. قال محمد أما في القياس هذا باطل لأنه قد بطلت وصيته الأولى حين صح من مرضه ذلك لكنا نستحسن فنجيز ذلك منه، ويتحاصون في الثلث، وعلى هذا القياس، والاستحسان إذا قال أوصيت لعبد ابنه بمائة درهم، وللمساكين بمائة درهم ثم قال إن مت من مرضي هذا فغلماني أحرار ثم برئ ثم مرض ثانيا ولو قال إن لم أبرأ من مرضي، وزاد في فتاوى الفضلي أو قال بالفارسية الدين الدين يتمارى من أبدا يا رين يتمارى ممن مر فحينئذ إذا برئ تبطل وصيته، وفي الظهيرية ومجموع النوازل رجل قال لآخر في وصيته بالفارسية يتمارى دارد في ربدان مرابصين من فقد جعله وصيا في تركته، وكذا لو قال معدهم وممر يأمرهم وما يجري مجراه، ولو قال المريض عمر كان من وريد من تحول بعد أن مات أو قال مرور بدان من أصابع فمات قال يصير وصية، امرأة أوصت بأشياء، وقال في ذلك حر لسان من أما وكان بها هندان قال من هل تصح هذه الوصية وماذا يعطي قال هذه وصية لمن ليس هو من جملة أربابها، والتقدير في هذا ذلك لما يخاطبه بذلك يعطي مالها أقرباؤها، وقد يبطل اسم التذكرة الخانية مريض أوصى بوصايا ثم برئ من مرضه ذلك، وعاش سنين ثم مرض فوصاياه ثابتة إن لم يقل إن مت من مرضي هذا أو قال إن لم أبرأ من مرضي هذا فقد أوصيت بكذا أو قال بالفارسية الدمن أرين سماري غير من فحينئذ إذا برئ بطلت وصيته، ولو قال أبرأت غرمائي، ولم يسمهم، ولم ينو أحدا منهم بقلبه. قال أبو القاسم روى ابن مقاتل عن أصحابنا أنهم لا يبرئون رجلا له دين على رجل فقال المديون إذا مت فأنت بريء من ذلك الدين قال أبو القاسم يجوز، ويكون وصية من الطالب للمطلوب، وفي النوازل سئل عن رجل كان له على رجل دين فقال له الطالب إذا مت فأنت بريء من ذلك الدين قال يجوز، وتكون وصية من الطالب للمطلوب إذا مات، وإذا قال إن مت فأنت بريء من ذلك الدين قال لا يبرأ، وهو مخاطرة، وهو بمنزلة قوله إن دخلت الدار فأنت بريء مما عليك، وفي المنتقى إذا قال الرجل ضعوا ثلثي حيث أمر الله تعالى يرد إلى الورثة، وفي الخلاصة، ولو قال ثلث مالي حيثما يرى الناس أو حيثما يرى المسلمون قيل في عرفنا ليست بوصية، وفي العيون إذا قال انظروا إلى كل ما يجوز لي أن يوصى به فأعطوه فهذا على الثلث، ولو قال انظروا ما يجوز لي أن أوصي به فأعطوه فالأمر إلى الورثة لأنه يجوز أن يوصي بدرهم وبأكثر، وقوله ما يجوز لي كذا ذكرهما هاهنا، ومراده إذا كانت الورثة كبارا كلهم أما إذا كان فيهم صغير أو من في معناه يجعل في حقه كان الموصي أوصى بدرهم لا غير لأنه هو المتيقن، وسئل أبو نصر عمن قال ادفعوا هذه الدراهم أو هذه الثياب إلى فلان، ولم يقل هي له قال إن هذا باطل لأن هذا ليس بوصية، وسئل أبو نصر الدبوسي عمن قال في وصيته ثلث مالي وقف، ولم يزد على هذا. قال إن كان ماله نقدا يعني دراهم أو دنانير وما أشبه ذلك فهذا القول منه باطل، وصار كقوله هذه الدراهم وقف، وإن كان ماله ضياعا أو نحوه صار وقفا على الفقراء، وفي الظهيرية، وقد قيل الفتوى على أنه لا يجوز ما لم يبين جهة الوقف، ولو أوصى رجل أن ما وجد مكتوبا من وصية والدي، ولم أكن نفذتها تنفذ أو أقر بذلك على نفسه إقرارا في مرضه قالوا هذه وصية إن صدقته الورثة بتصديقهم، وإن كذبوه كان من الثلث بخلاف الدين، وفي الخانية بخلاف الدين الذي لا طالب له إلا الله تعالى، وكان حكمه حكم الزكاة والكفارات، وسئل محمد بن مقاتل عمن أوصى أن يعطى للناس ألف درهم قال الوصية باطلة، ولو قال تصدقوا بألف درهم فهو جائز، ويعطى للفقراء، وفي الخلاصة لو قال لعبده أنت لله لا يعتق، وقال محمد الوصية جائزة، وتصرف إلى وجوه البر، وفي الخانية، وفي مسألة العتق إن أراد به العتق عتق، وإن أراد به أنه لله لا يلزمه شيء. والوصية تارة تكون بالألفاظ، وتارة تكون بالإشارة المفهمة قال في فتاوى أبي الليث مريض أوصى، وهو لا يقدر على الكلام لضعفه فأشار برأسه يعلم منه أنه يعتمد قال ابن مقاتل تجوز وصيته عندي ولا تجوز عند أصحابنا، وكان الفقيه أبو الليث يقول إذا فهم منه الإشارة يجوز. وفي فتاوى أبي الليث إذا كتب وصيته ثم قال أنفذوا ما في هذا الكتاب تنفذ وصيته هكذا ذكر في كتاب الشهادات قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل هو باطل لأن هذا يكون للأغنياء والفقراء جميعا، ولو قال ست ورمر إن مررر وإن كسد كانت الوصية جائزة لأن هذا اللفظ يراد به القربة، وقال الإمام علي بن الحسن السغدي قوله وإن كسد ليس من لساننا فلا أعرف هذا، وإذا قرئ صك الوصية على رجل فقيل له أهو كذا فأشار برأسه نعم يجوز ذلك على ما تقدم. قال رحمه الله: (والجحود لا يكون رجوعا) يعني لو جحد الوصية فإنه لا يكون رجوعا، وليس هذا كجحود الموكل الوكالة، وجحود أحد الشريكين، وجحود المودع الوديعة، والمستأجرين فعلى رواية الجامع لا يكون فسخا، وعلى رواية المبسوط يكون فسخا، وجه رواية الجامع أن الجحود كذب حقيقة فإنه قال أنا لم أوص، ويحتمل الفسخ مجازا لأنهما يتفقان في المعنى الخاص لأن الفسخ رفع العقد من الأصل، والجحود الكذب لا يكون رجوعا، وإن أراد الفسخ يجعل فسخا لا كذبا صونا لكلام العاقل عن الكذب والفساد، وحملا لأمره على الصحة والسداد لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تظنن بكلمة خرجت من أحد شرا، وأنت تجد لها من الخير محلا» فلا يجعل جحود الموصي فسخا منه لأنه ممن يتعود بالفسخ، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى. قال أبو يوسف لو أوصى لرجلين ثم رجع عن إحدى الوصيتين، ولم يبين أيتهما تلك حتى مات فللوارث أن يبطل أيتهما شاء، ويمضي الأخرى فإن كان الوارث صغيرا فأبو الوصي، وإن لم يكن له وصي فالحاكم، ولو أوصى بأرض ثم حفرها فهذا رجوع، وإن زرع فيها إنسان فهو رجوع، وإن زرعها حنطة فليس برجوع لأن حفر الكرم وغرس الأشجار للاستدامة والاستقرار، ولم يتعرض المؤلف للرجوع عن بعض الوصية، ونحن نذكر ذلك تتميما للفائدة قال في المبسوط ولو قال أوصيت بهذه الألف لفلان فقد أوصيت لفلان منها بمائة فليس هذا برجوع فالمائة بينهما نصفان تسعمائة للأول لأن عطف الوصية الثانية على الأولى في المائة، والعطف يقتضي الاشتراك مع المعطوف عليه فيما عطف، وإنما عطف في المائة فيوجب الاشتراك بينهما في المائة، ولو قال قد أوصيت لفلان وفلان بألف إلا بمائة لأحدهما فالمائة لهذا، والتسعمائة للأول منهما، وكذا هذا في الإقرار، وقد مرت في الإقرار، ولو أوصى لرجل بثلث ماله ثم قال قد أوصيت لفلان بما أحب من ثلثه فإن أحب الثلث كله كان الثلث بينهما نصفين، وإن أحب كله إلا درهما ضرب له بالثلث إلا درهما لأنه فوض إلى الأول إرادة الوصية للثاني فما أراده الأول، وأحبه يكون للثاني إلا إذا أراد كله يكون الثلث بينهما كما لو أوصى بالثلث لهذا، وبالثلث لهذا فيكون الثلث بينهما نصفين لما يأتي فكذا هذا،. ولو قال العبد الذي أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعا لأن اللفظ يدل على قطع الشركة بخلاف ما إذا أوصى به لرجل ثم أوصى به لآخر لأن المحل يحتمل الشركة، واللفظ صالح لها، وكذا إذا قال بها فهو لفلان وارثي يكون رجوعا عن الأول، ويكون وصية للوارث، وحكمه أنه يجوز إن أجازته الورثة، ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني فلم تكن فبقي الأول على حاله، ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهو للوارث لبطلان الوصية الأولى بالرجوع، والثانية بالموت، وقد تقدم بعض هذه المسائل فراجعه.
|